للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويمضي السيوطي في التخير من آراء النحاة السابقين ما تستقيم حجته وتتضح علته مؤثرا من الآراء ما هو قريب من العقل بعيد عن التأويل والتقدير الذي يوغل أحيانا في الاغراب، كما يحرص قبل ذلك على دقة المعنى وسلامته فهو محك الصحة والخطأ عنده، فنراه مثلا يذهب في تخريج «لا أبا لك» إلى أن «أبا» مفردة جاءت على لغة القصر والمجرور باللام هو الخبر، وقد تبع في ذلك الفارسي وابن الطراوة، وقد اختار هذا الرأي «لسلامته من التأويل والزيادة والحذف وكلها خلاف الأصل» «١»، وهو بذلك يخالف رأي الجمهور الذي يذهب إلى أنها مضافة إلى المجرور باللام الزائدة.

ويهتدي السيوطي باستقراء المادة اللغوية في بعض الأحيان إلى ما يخالف أقوال النحاة السابقين أو يصحح أحكامهم، فقد رد ما ذهب إليه ابن مالك وابن الصائغ من أن النداء بالهمزة قليل وذكر أنه وقف لذلك على أكثر من ثلاثمائة شاهد، وأنه أفردها بتأليف «٢»، وهو ما سماه بقطر الندا في ورود الهمزة للندا.

ويعلل السيوطي اختياراته وآراءه بعلل قوية واضحة تراعي سلامة المعنى، وهي علل قريبة المأخذ بعيدة عن التكلف، ويؤثر من الأحكام ما يدفع اللبس عن الأساليب فقد أجاز النحاة تنوين المنادى المبني في الضرورة ثم اختلفوا في أن الأولى بقاء ضمه أو نصبه والأول مذهب الخليل وسيبويه والمازني علما كان أو نكرة مقصودة، والثاني رأي أبي عمرو وغيره، واختيار ابن مالك بقاء الضم في العلم والنصب في النكرة المقصودة لأن شبهها بالمضمر أضعف، وخالف السيوطي ابن مالك واختار العكس أي

«النصب في العلم لعدم الالباس فيه، والضم في النكرة المعينة لئلا يلتبس بالنكرة غير المقصودة إذ لا فارق حينئذ إلا الحركة لاستوائهما في التنوين «٣»، وقد نبه السيوطي إلى أنه انفرد بهذا الرأي دون سائر النحويين، وهو كما ذكرنا يميل إلى دفع اللبس في الأساليب، والباسها ثوبا من الوضوح والجلاء، وتجنّب اللبس من الاعتبارات الهامّة التي تراعيها اللغة وتحرص عليها في كثير من أوضاعها، ولذلك فإن تعليل السيوطي لاختياره


(١) همع الهوامع ج ١ ص ١٤٥.
(٢) همع الهوامع ج ١ ص ١٧٢.
(٣) همع الهوامع ج ١ ص ١٧٣.

<<  <   >  >>