الاشتراك في الاسم المطلق بين الخالق والمخلوق ليس اشتراكاً لفظياً
وبهذا يعلم أن صفاته سبحانه وتعالى ليست مقولةً بالاشتراك اللفظي في الاسم المستعمل بين الخالق والمخلوق؛ لأن المشترك اللفظي لا يقع به جزء من الاشتراك في المدلول بوجهٍ من الوجوه، سواء كان هذا المدلول مدلولاً مطلقاً أو مدلولاً إضافياً مقيداً، مثال ذلك: أنك إذا قلت: سهيل بن عمرو، وسهيل النجم، فهذا اسم للنجم وهذا اسم لابن عمرو، فهذا يعده كثير من أهل المنطق مثالاً للمشترك اللفظي، بمعنى: أن يكون الاسم المطلق واحداً ولا يكون هناك اشتراك لا في الإطلاق ولا في التعيين من جهة المدلول.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله:(ويمتنع أن يكون باب الصفات من هذا الوجه؛ لأنه لو كان كذلك لامتنع فهم الخطاب، فالله سبحانه وتعالى قال في كتابه:{إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً}[النساء:٢٩]{إِنَّ الله كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً}[النساء:٥٨]، فيفهم المسلمون وكل من يقرأ القرآن أو يسمعه أن الله موصوف بالسمع، فيفرقون بين معنى السمع ومعنى البصر، وبين معنى العلم ومعنى الكلام، وبين الرحمة وبين الغضب، وهذا مبني على قدر من التواطؤ، وليس هو التشبيه الذي نفته النصوص وأجمع على نفيه السلف؛ لأنه قدر كلي لا وجود له في الخارج مختصاً إلا مضافاً لموصوف، وإنما هذا قدر كلي يُفهم به الخطاب).
ولهذا لما ناظر شيخ الإسلام رحمه الله في مسألة الوجود على هذا الوجه قال: (إن من عطَّل صفةً من الصفات لزمه التسلسل في التعطيل حتى يعطل الباري عن العلم، ومن التزم نفي صفة العلم -كما التزمه غلاة المعطلة- فإنه يلزمه أن يعطل الباري حتى عن الوجود؛ لأن المخلوق موجود، وقد لزم هذا السؤال سائر مذاهب التعطيل، فكان لهم جوابات متناقضة في العقل فضلاً عن بطلانها في الشرع.
ومن إجاباتهم قول من يقول بأن لفظ الوجود بين الخالق والمخلوق مقول بالاشتراك اللفظي.
وهذا الجواب الذي زعم الرازي في كتبه أنه منتهى الأجوبة العقلية الصحيحة على هذه المسألة، لا شك أنه أفسد الأجوبة، لهذا أعرض عنه حذاق المعتزلة المتقدمين، وأعرض عنه متقدمو الأشاعرة؛ لأنه إن قال: إن لفظ الوجود مقول بالاشتراك اللفظي لزم من ذلك عدم العلم بوجوده سبحانه، وما من دليل يُذكر في الوجود إلا ويراد به الوجود المعروف عند العقلاء وهو قيام الشيء في الخارج.
فإذا ما قيل: إن لفظ الوجود في حقه مقول بالاشتراك اللفظي صار هذا تعطيلاً للوجود من وجه أخص.