والدلائل النبوية صريحة في هذا، ففي حديث عمرو بن العاص الذي أخرجه مسلم وغيره من طريق عبد الرحمن بن شماسة المهري المصري عن عبد الله بن عمرو عن أبيه عمرو بن العاص، وفيه قول عمرو لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه على الإسلام، قال:(فبسط النبي صلى الله عليه وسلم يده لأبايعه، قال: فقبضت يدي فقال: ما لك يا عمرو؟! قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط ماذا؟ قلت أشترط أن يغفر لي، أما علمت يا عمرو! أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبل) فتأمل قوله: (يهدم ما كان قبله) فإنه من سياق العموم، ولا شك أن هذا يمتنع معه أن يقال: إن الحج لا يمكن أن يكفر ما هو كبيرة.
ومثله قوله صلى الله عليه وسلم:(أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم ..) وقوله: (من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ..)، ولا يمكن أن يجتمع السلف على أن من أتى هذا البيت فقام قيام السنة، واقتدى برسول الله صلى الله عليه وسلم فما رفث ولا فسق وتعبد لله، ووجل قلبه، وأدى الأركان على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مع تمام الإخلاص وتمام المتابعة، ولكن عنده بعض الكبائر السالفة أن كبائره لا تغفر، فهذا تضييق لرحمة الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن فقه السلف يقف مع هذا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:(رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه).