[خطأ نسبة المذهب المعين للسلف بمجرد الفهم]
من فروع الوجه الثالث وهو تحصيل مذهب السلف بطريقة الفهم -وهي طريقة غير مناسبة كما ذكر شيخ الإسلام - أن بعض الناظرين في بعض مسائل فقه الشريعة إذا رجح عندهم قول بما استعملوه من الأدلة النبوية المفصلة قالوا: إن من هدي السلف ذلك، فجعلوا تلك المسألة من المسائل التي يحصل بها تمييز للسلفي من غيره، كمسألة وضع اليدين على الصدر بعد القيام من الركوع, فيجتهد بعض أهل العلم من السلفيين فيجعلون السنة في وضعها, طرداً لحديث سهل بن سعد , ويجتهد آخر فيرى أن السنة في عدم وضعها.
فلا شك أن كلا الاجتهادين صحيح, ومعنى كونه صحيحاً مع أن الحق في نفس الأمر لا بد أن يكون واحداً، أن كلا القولين من الأقوال الفقهية الممكنة المعروفة عند الفقهاء, لكن الإشكال أن تُجعل السنة اللازمة السلفية هي أحد الوجهين, فمعناه: أن من ترك وضعهما يكون عند طائفة مخالف لهدي السلف, ومن وضعهما يكون عند الطائفة الأخرى مخالف لهدي السلف.
ولا شك أن هذا منهج غلط؛ لأنه يلزم على ذلك أن كل من اجتهد في مسألة فقهية, فرجح قولاً هو الظاهر عنده من دلائل الكتاب والسنة؛ أن يجعله هو مذهب السلف, ولا تجد إماماً واحداً من أئمة السلف في مسائل النزاع التي كانوا يتنازعون فيها يطرد هذه الطريقة، أي: يجعل ما خالف قوله يكون بدعة؛ لأنك إن قلت: إن هذا القول هو قول السلف أو هو المذهب السلفي لزم أن يكون خلافه بدعة.
فلن تجد أن أحمد كان يعد من خالفه من الفقهاء على بدعة, ولا الشافعي ولا مالكاً ولا أبا حنيفة ولا غيرهم، وإنما تستعمل عبارة: (مذهب السلف) و (الذي عليه أئمتنا) و (الإجماع) إلى غير ذلك في مسائل الأصول, وأما مسائل الفقه المفصلة التي تنازع فيها المتقدمون من السلف, فلا يصح لواحد إذا اختار قولاً من أقوالهم أن يجعله مذهباً للسلف, وهو يعلم أن بعض أئمة السلف يخالفونه في هذا، وإنما يقول: هو أحد قولي السلف, بل لكون مسائل الفقه المختلف فيها بعيدة عن هذه الإضافة السلفية، ترى أن أكثر تعبيرهم يقع باسم الفقه, فيقولون: اختلف الفقهاء, والذي عليه الفقهاء, وأحد قولي الفقهاء, إلى غير ذلك.