وأما دلائل قول السلف: إن الإيمان قول وعمل، فهي متواترة في الكتاب والسنة، فقد ذكر الآجري في الشريعة أن العمل ذكر في بضع وخمسين موضعاً وهو محصل أو داخل في مسمى الإيمان، وهذا استدل به الآجري في الشريعة على أن العمل داخل في مسمى الإيمان وإن كان قد ينازع في بعضه، ولكن الدلائل متواترة في كون العمل داخلاً في مسمى الإيمان.
ويرد اسم الإيمان في الكتاب والسنة مطلقاً تارة ومقيداً تارة، ويرد به في مقام أصله وفي مقام آخر يراد به تمامه، فهو في مثل قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[البقرة:٢٧٧]، يراد به الأصل على الصحيح من التفسيرين اللذين أجاب بهما أهل السنة والجماعة عن استدلال المرجئة كما سيأتي، وهذه الآية وأمثالها هي أقوى ما استدل به المرجئة ولا سيما الفقهاء منهم، على أن العمل ليس داخلاً في مسمى الإيمان، وعنها جوابان:
الجواب الأول: أن هذا من باب عطف الخاص على العام، وهذه الطريقة وإن كانت صحيحة في الجملة إلا أنها ليست هي الطريقة الأجود.
الجواب الثاني: وهو الذي رجحه شيخ الإسلام رحمه الله: أن الإيمان هنا هو الأصل، وإذا ذكر الأصل فإن العمل يكون لازماً له، ولزومه له في مقام لا يستلزم عدم دخوله في ماهيته في مقام آخر، فإن ما كان لازماً يكون تابعاً، ولا يمكن في العقل أن ينفك اللازم عن الملزوم، قال شيخ الإسلام:(وإذا كان العمل لازماً في مقام لأصل الإيمان أو لمسمى الإيمان لم يلزم أن يكون في سائر الموارد كذلك، ولم يمنع ذلك أن يكون داخلاً في ما هيته في نفس الأمر، لأنه قد جاء إدخاله في ماهيته صريحاً في مثل قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ}[الأنفال:٢ - ٣]، فجعل من أصل الإيمان إقام الصلاة وإيتاء الزكاة إلى غير ذلك من الأعمال الظاهرة، ومثله قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}[البقرة:١٤٣] فإن عامة السلف فسروها بصلاتهم إلى بيت المقدس، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما ثبت عنه في صحيح مسلم، وإن كان أصله متفقاً عليه: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).
فالآثار النبوية والكلمات القرآنية متضافرة على تسمية العمل إيماناً، وليس في الأدلة الشرعية ما يشكل إلا من هذا الوجه الذي ذكره بعض فقهاء المرجئة وغيرهم، وهو قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}[البقرة:٢٧٧].