السبب الأخف، وهو المذكور في قوله:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود:١١٤]، فيه بحث مهم، وهو أنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما هو مشهور في السنة: أن من الأعمال الصالحة ما يكفر الذنوب، كقوله صلى الله عليه وسلم:(الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن)، وكقوله:(أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه خمس مرات ..)، كما في الصحيح من حديث أبي هريرة في الصحيح، إلى غير ذلك من النصوص، فهنا المشهور في كلام أهل السنة أن هذه الأعمال الصالحة، سواء كانت واجبة أو كانت مستحبة، إذا ذكر تكفيرها للذنوب، فإن المقصود بذلك أنها تكفر الصغائر.
وقد حكى أبو عمر ابن عبد البر إجماع أهل السنة، على أنها تكفر الصغائر دون الكبائر.
وهذا الإجماع الذي ذكره أبو عمر ابن عبد البر ينبغي فقهه، فإنه قد يفقه على أحد وجهين، الأول: أن يفقه أن السلف أجمعوا على أن الأعمال الصالحة، كالصلاة والحج وغيرها، لا يمكن أن تكفر أو أن تمحو ما هو كبيرة.
ولا شك أن هذا الوجه من الفقه غلط، وإن أضافه من أضافه بعض المتأخرين للسلف، فهو إضافة غلط.
الوجه الثاني من الفقه: أن يفهم منه أن هذه الأعمال الصالحة، قد تكفر ما هو من الكبائر، ولكن ذلك لا يطرد، إنما يطرد في الصغائر، وفقه الإجماع على هذا الوجه، هو الفقه الصحيح.
وهو مذهب السلف ولا شك، وهذا هو الذي قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تقريراً مفصلاً، وقرر أنه هو المذهب المعروف عن سلف الأمة.
ويكون هذا الفهم وسطاً بين قول من يقول: إن هذه الأعمال الصالحة تكفر الكبائر باطراد كما تكفر الصغائر، فإن هذا خلاف كثير من النصوص وخلاف الإجماع، وبين قول من يقول: إنها لا تكفر إلا الصغائر ولا يمكن أن تكفر الكبائر، ويجزم بذلك، فهذا غلط أيضاً ولا يقوله أحد من السلف، وإن نقل بعض المتأخرين في هذا الإجماع فهو إجماع غلط كما يقرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.