وأما الصوم والحج فقد ذهب طائفة من السلف إلى أن ترك الصوم كفر, وذهب طائفة من السلف إلى أن ترك الحج كفر, والجماهير من السلف والخلف على أن ترك الصوم وحده أو ترك الحج وحده ليس كفراً.
ولا شك أن مسألة الإيمان قد حصل فيها خفض ورفع عند كثير من المتأخرين، فصار بعضهم وإن سموا العمل إيماناً لكنهم لا يجعلونه أصلاً في الإيمان, فلا يكفرون تارك جنس العمل، فمن ترك الصلاة والصيام والزكاة والحج مجتمعة لا يجعلونه كافراً, وفوق ذلك يقع من بعضهم أنهم يجعلون هذا مذهباً لسائر السلف.
ولا شك أن هذا من الغلط, إذ كيف يقال إن هذا مذهب لسائر السلف مع شهرة النزاع بين السلف في هذه المباني الأربعة كل على حدة؟! وهذا النزاع المأثور إنما هو في ترك الواحد منها, وأما من جمع تركها فلم ينقل عن أحد من السلف أنه لم ير كفره, ولو أن أصحاب هذا القول قالوا: إن هذا هو أحد القولين لأهل السنة أو لأئمة السلف لكان هذا مما يمكن أن يقع فيه بعض التأويل، لكن أن يقال: إن تركها مجتمعة ليس كفراً عند السلف، مع أنه قد صرَّح طوائف من السلف بأن ترك الواحد منها يكون كفراً, كقول جماهيرهم: إن ترك الصلاة كفر, وقول طائفة منهم: ترك الزكاة كفر، إلى غير ذلك؛ فهذا قول لا شك أن فيه شيئاً من الزيادة.
وقابل هذا القول قول من يقول: ترك الصلاة كفر بالإجماع, وقول من يقول: ترك الزكاة كفر بالإجماع, أو من يقول: ترك الصوم أو الحج كفر بالإجماع.