للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[طرق معرفة إجماع السلف على تكفير تارك جنس العمل]

وإجماع السلف على هذه المسألة يعرف من عدة طرق:

الطريق الأول: أن العمل عندهم أصل في الإيمان, ولما كان أصلاً فإن عدمه كفر.

الطريق الثاني: أن هجر جنس العمل لا يكون إلا مع نوع من الكفر الباطن, وهذا ليس معناه أنه لا يُكفَّر بالأعمال الظاهرة ولكن لدلالتها على كفر باطن؛ لأنه بإجماع المسلمين وبصريح العقل أنه لا يمكن أن نقول: إن هذا كافر في نفس الأمر بعمل ظاهر، ويكون في نفس الأمر مؤمناً في الباطن, بل من ثبت كفره في نفس الأمر -أي: في الحكم الشرعي- ووافى ربه بالكفر الظاهر فلا بد أن يكون في الباطن كافراً, وما يبقى معه من العلم والمعرفة الباطنة، فهي من جنس العلم والمعرفة التي تقع لكثير من الكفار في بعض مسائل الربوبية، أو كحالهم إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين, إلى غير ذلك.

الطريق الثالث: أنه جاء عن الجماهير من أهل الحديث أنهم يكفرون تارك الصلاة، فدلّ ذلك من باب أولى على أنهم يذهبون إلى كفر تارك جنس العمل.

وهذا الوجه وإن لم يلزم به تحقق الإجماع, إلا أنه يُعلم به معنىً مهماً في هذه المسألة وهو: أن من قال إن ترك جنس العمل ليس كفراً بإجماع السلف, فإن قوله غلط ولا بد؛ لأنه قد جاء عن كثير من أعيان المتقدمين -ولا سيما من أهل الحديث- التكفير بترك الصلاة, فكيف يقال مع هذا: إن إجماع السلف منعقد على أن ترك العمل مطلقاً ليس كفراً, مع أنهم كفروا تارك الصلاة؟

وإنما يتحقق هذا المعنى ولا يتحقق الإجماع به؛ لأنه مبني على مسألة تكفير تارك الصلاة: هل هي من معاقد الإجماع أم لا؟

والتحقيق أن بين جنس العمل وبين آحاده فرقاً, فأما جنس العمل وأركانه الأربعة: (الصلاة والزكاة والصيام والحج)، فمن عدم جنس العمل بأصوله الأربعة التي هي أصول الفرائض؛ فهذا لا يكون إلا كافراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>