قال العلامة حجة الإسلام أبو جعفر الوراق الطحاوي رحمه الله:[هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين، وما يعتقدون من أصول الدين، ويدينون به رب العالمين].
قوله:(هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة): أهل السنة والجماعة إنما اختصوا بهذا الاسم لأنه تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق)، وقد أخرج الشيخان وغيرهما في ذلك روايات متعددة من حديث جابر بن سمرة، وأبي هريرة، وعبادة بن الصامت، ومعاوية بن أبي سفيان وغيرهم رضي الله عنهم.
وهذه الطائفة بإجماع أهل العلم مقتدية برسول الله صلى الله عليه وسلم في هديه العلمي والعملي، أي: فيما هو من محل الاعتقاد أو محل العمل؛ فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم كما في المسند والسنن من حديث أبي هريرة، وأنس، وعبد الله بن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ...) إلى آخر الحديث.
ومما ينبه إليه: أن ذكر هذه الطائفة ليس معتبراً بهذا الحديث فقط، فإن هذا الحديث قد تكلم فيه طائفة من أهل العلم، وصححه أو قواه آخرون، فسواء صح هذا الحديث أو لم يصح؛ فإن ثبوت هذا الانتماء إلى أهل السنة والجماعة معتبر بالنصوص المتواترة التي ذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم افتراق الأمة، وذكر أن طائفة لا تزال على الحق إلى قيام الساعة، وغير ذلك من النصوص الصحيحة، فعدم صحة هذا الحديث لا يؤخذ منه إلا أن التخصيص لهذا العدد -وإن كان حسناً في الجملة- وهو الثلاث والسبعون لم ينضبط من جهة السنة، فإذا قلنا بأن الحديث لم يصح فإنه يسقط بذلك التصريح بهذا العدد، وهو أن الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، وأما أن الافتراق نفسه يرتفع إذا ضُعف هذا الحديث أورد فليس كذلك؛ وذلك لوجهين:
الوجه الأول: ما تواتر من السنة بأنه لا تزال طائفة على الحق، وأن الأمة ستفترق.
الوجه الثاني: اعتبار الحال، فإن الافتراق شائع في الأمة منذ قرون متقدمة.