[الكلام على تقسيم الدين إلى أصول وفروع]
قال المؤلف عليه رحمة الله تبارك وتعالى: [ونرى المسح على الخفين في السفر والحضر كما جاء في الأثر].
قوله: (ونرى المسح على الخفين) مسألة المسح على الخفين هي من مسائل الفروع في الأصل، وإن كان هذا التقسيم وهو تقسيم الدين إلى أصول وفروع، وقد تكلم فيه غير واحد، ومن أخص من تكلم فيه الإمام ابن تيمية رحمه الله.
ولكن ينبَّه إلى أنه إذا ذُكر هذا التقسيم على معنى أن الدين منه ما هو أصل ومنه ما هو دون ذلك، فإن هذا صحيح ومجمع عليه ولا خلاف فيه، حتى ولو سمي الذي دون ذلك فرعاً فإن هذا مما يسوغ، وقد كان شائعاً في كلام أهل العلم من المتأخرين، وإنما الذي ينتقده شيخ الإسلام رحمه الله الطريقة الكلامية التي دخلت على بعض الأصوليين والفقهاء حين يقسمون الدين إلى أصول وفروع، فيرتبون على ذلك كثيراً من النتائج، فيقول كثير منهم: إن الأصول هي المسائل العلمية، والفروع هي المسائل العملية، أو يقول بعضهم: إن الأصول هي ما يعلم بالسمع والعقل، والفروع هي ما يعلم بالسمع وحده.
ثم يرتب على ذلك نتائج، منها: أن المخالف في الأصول يبدع، وربما يقول بعضهم: المخالف في الأصول يكفر، والمخالف في الفروع لا يكون كذلك .. إلخ.
مع أن هذه الحدود ليست مناسبة وليست موافقة لهدي السلف رحمهم الله؛ بل ولا لآحاد النصوص وصريحها، فإن قلنا: إن الأصول هي العلميات، فهناك من المسائل العلمية مسائل لا تعد أصلاً، وقد تنازع أهل السنة في رؤية الكفار والمنافقين لربهم سبحانه وتعالى، وهذه المسألة بإجماع السلف وأهل العلم ليست من الأصول التي يبدع ويضلل فيها المخالف، وتنازع الصحابة رضي الله تعالى عنهم في سماع الميت صوت الحي، وتنازع الصحابة رضي الله عنهم كـ ابن عمر مع عائشة وعمر في تعذيب الميت ببكاء أهله عليه، مع أن هذه المسائل تعد من العلميات.
وبالمقابل فإن ثمة مسائل من العمليات هي بإجماع المسلمين من الأصول: كالصلوات الخمس، فإنها فعل وعمل ومع ذلك هي أصل في الإسلام بإجماع المسلمين.
ومثله حين يقول بعضهم: الأصول هي ما علم بالسمع والعقل، والفروع ما علم بالسمع وحده، فهناك مسائل كثيرة، هي بإجماع السلف من الأصول، بل ربما بإجماع المسلمين، وهي مع ذلك لم تعلم إلا بالسمع وحده ولم تعلم بالعقل، فمثل هذه لا يجوز أن تسمى فرعاً.
وهذا الحد وما يترتب عليه من النتائج مشكل، ولهذا قرر شيخ الإسلام الإعراض عن هذا التقسيم من أصله، ولا يفهم من هذا أن شيخ الإسلام يمنع أن تسمي مسألة القدر أو مسألة الشفاعة أو مسألة الصفات ونحوها مسائل أصول، فإن هذا لا شك أنه غلط في فهم كلامه، فهو في كتبه يسمي هذه المسائل أصولاً، ولا شك أن في الدين ما هو أصل وما هو دونه، وإنما الإشكال طرد هذا التقسيم وما يستعمل فيه من الحد.
والقصد أن مثل هذه المسألة لم يكن محلها في الأصل مثل هذه المختصرات المقولة في الاعتقاد وأصول الدين، وإنما ذكرها من ذكرها من أهل السنة لكون الخوارج وطوائف من أهل البدع لا يرون المسح على الخفين، ولكونه حصل وانعقد إجماع السلف على أن المسح على الخفين سائغ بل سنة، أي مضت به السنة النبوية، وإن لم يكن مستحباً على الإطلاق، لهذا الموجب ذكروا هذه المسألة في كتبهم أو في بعض كتبهم.
ومن هنا ذهب بعض الفقهاء إلى أن المسح على الخفين أولى من غسل القدمين، وهذا القول قاله طائفة ولكنه ليس راجحاً والذي عليه الجماهير من السلف والخلف أن هذا ليس مشروعاً على الإطلاق، بل المشروع هو الحال المناسبة للإنسان، فلا يتكلف لبس الخفين ولا يتكلف أن يكون بضد ذلك، بل تكون حاله على المناسبة.