للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم إطلاق لفظ (القديم) على الله تعالى]

قال المصنف رحمه الله: [قديم بلا ابتداء، دائم بلا انتهاء].

لفظ: (القديم) لم يرد في الكتاب ولا في السنة، وهو من الألفاظ التي استعملها المتكلمون، وكان ينبغي للمصنف رحمه الله أن لا يعبر بها، ولا سيما أن اللفظ القرآني المناسب لهذا المقام متحقق، فإن الله سبحانه وتعالى قال: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:٣]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح في دعائه: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء)، وقوله: (وأنت الباطن فليس دونك شيء) معناه: لا يخفى عليه شيء سبحانه وتعالى.

فكان ينبغي أن يقول: (الأول بلا ابتداء)، أو: (الأول الذي ليس قبله شيء)، كما قال عليه الصلاة والسلام، وذلك لأن لفظ (القديم) لم يرد، وهو لفظ مجمل، والله سبحانه وتعالى يُوصف بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من الأحرف القرآنية، أو الأحرف والكلمات النبوية، فلابد من الاقتداء بالكلمات القرآنية والكلمات النبوية.

وأما الأحرف الحادثة التي لم ترد في الكتاب ولا في السنة، والمجملة التي تحتمل حقاً وباطلاً؛ فإن مذهب السلف فيها التوقف في لفظها والتفصيل في معناها.

وعليه: فكل لفظ مجمل حادث فإنه لا يُطلق إثباتاً ولا نفياً؛ بل يُستفصل عن معناه، فإن أريد به ما هو حق قُبل، وإن أُريد به ما هو باطل رُدّ، وأما اللفظ فيتوقف فيه؛ فإن كان المعنى حقاً عبر بالألفاظ والكلمات الشرعية.

هذه هي القاعدة في الألفاظ المجملة الحادثة.

والحدوث -كما ذكرنا- هو اللفظ الذي لم يذكر في الكتاب والسنة.

والإجمال: هو أن يكون اللفظ محتملاً لأكثر من معنى بينها تضاد واختلاف.

وينبه هنا إلى مسألة مهمة: وهي أن الإجمال تارةً يكون بأصل الوضع -أي: بأصل اللغة، فهو في لسان العرب لفظ مجمل- وتارة يكون موجبه الاستعمال وليس اللغة، فإذا كان اللفظ حادثاً ومجملاً من جهة لسان العرب، فإنه لا يطلق إثباتاص ولا نفياً في حق الله تعالى، وكذلك إذا كان لفظاً حادثاً ومجملاص من جهة الاستعمال، وإن كان من حيث اللغة ليس مجملاً.

مثال ذلك: لفظ (الظاهر) أي: ظاهر الكلام، فهذا اللفظ من حيث اللغة العربية ليس مجملاً، لكن لما استعملته الطوائف صار مجملاً، حيث صارت طائفة منهم يفسرون الظاهر بالتشبيه، وطائفة أخرى يفسرون الظاهر بالتأويل ..

وغير ذلك، ولهذا لما تكلم المتأخرون: هل ظاهر نصوص الصفات مراد أو ليس مراداً؟ كان جواب أهل السنة والجماعة كـ شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره: أن لفظ الظاهر لفظ مجمل، لا من جهة اللغة، وإنما من جهة الاستعمال والقاعدة المقررة: أن كل لفظ مجمل حادث فإنه لا يطلق إثباتاً ولا نفياً؛ بل يستفصل في معناه، فإن أريد به ما هو حق قبل، وإن أريد به ما هو باطل رُد، والمعنى الحق يعبر عنه بالألفاظ الشرعية.

فإذا عُبر عن عقيدة أهل السنة والجماعة بياناً لها، فلا يصح في هذا المقام استعمال الألفاظ المجملة، إنما تستعمل في مقام مخاطبة أهل الاصطلاح الذين لم يعرفوا إلا هذا الاصطلاح، قال شيخ الإسلام رحمه الله في درء التعارض: (والأصل في هذا المقام الاعتبار بالأحرف والكلمات المذكورة في الكتاب والسنة) ثم قال: (وأما مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم فإن هذا مما تسوغه الشريعة إذا قام مقتضيه).

وهذا إذا لم يمكن أن يخاطبوا إلا بهذا الاصطلاح؛ كالطوائف التي لم تعرف الألفاظ القرآنية والنبوية على التحقيق، وإنما استعملت ألفاظاً كلامية.

<<  <  ج: ص:  >  >>