[تقدير الآجال والزيادة فيها]
قول المصنف: (وضرب لهم آجالاً) آجال العباد مقدرة، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه).
وهذا الحديث أشكل على كثير من المتأخرين، إذ قالوا: إن الذي يغير فيه هو الأجل المكتوب في صحف الملائكة المذكور في مثل حديث ابن مسعود المتفق عليه في قوله صلى الله عليه وسلم: (ويكتب رزقه وأجله) وهذا قال به طوائف من أهل العلم، وأضافه طائفة من الشراح المتأخرين إلى طائفة من الصحابة، كـ عمر وغيره، وإن كان في ثبوته عنهم بعض التردد.
ولكن الصحيح في هذا المقام أن يقال: إن قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه) أن صلة الرحم سبب، والله سبحانه وتعالى قدر وعلم السبب والمسبب قبل خلق الخلق، والأجل والرزق مرتبط في علم الله وحكمته بأسباب.
وقد يكون من هذه الأسباب ما هو معروف المناسبة كالتجارة لبسط الرزق مع أن اشتغاله بهذه التجارة مكتوب ومقدر، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يندب إلى سبب شرعي ليس معروف المناسبة عند بني آدم، فعلق زيادة العمر والرزق بصلة الرحم، التي لا يعرف عند بني آدم عادةً أنها مناسبة لبسط الرزق وطول العمر، فهذا هو أجود ما يقال في هذه المسألة.
وطول العمر وسعة الرزق تارةً يكون نعمة وتارةً لا يكون نعمة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث عمار رضي الله عنه الذي أخرجه الإمام أحمد والحاكم في المستدرك: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما كانت الحياة خيراً لي).
إلا أنه هنا نعمة؛ لأنه جعل صلة الرحم سبباً شرعياً مطلوباً من العبد القيام به، وجعل بسط الرزق وطول العمر، نتيجة لذلك السبب أي أن العبد سيوفق في ماله وعمره إلى الخير.
وأما قول من قال: إنه يمحى من صحف الملائكة فهذا ليس عليه دليل من الشرع، ولم يثبت في الكتاب ولا السنة أن شيئاً مما في صحف الملائكة يُمحى.
وأما قوله تعالى: {يَمْحُو الله مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:٣٩] فالصحيح في تفسيرها أن هذا في الشرائع وليس في القدر، وسياق الآيات يدل على ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى قال: {وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ الله لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُو الله مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد:٣٨ - ٣٩] والشرائع يدخلها النسخ والمحو كما هو معروف ومجمع عليه.
وأما ما في (اللوح المحفوظ)، فبإجماع السلف أنه لا تغيير فيه، ومن زعم من المتأخرين أنه قد يدخله التغيير فهذا غلط بالإجماع.