[المقدمة الأولى: عقيدة الإمام أبي حنيفة]
الإمام أبو حنيفة هو أحد الأئمة الأربعة، وقد تكلم الناس في مذهبه في أصول الدين، وإذا نظرنا إلى بعض كتب الرجال أو السنة المسندة كالسنة لـ عبد الله بن أحمد، نجد بعض المسائل التي يُضاف القول فيها إلى أبي حنيفة وهي مخالفة لمعتقد السلف.
ونجد أن كثيراً من الفقهاء والذين تكلموا في المقالات يترددون في شأن أبي حنيفة؛ وذلك بسبب أن أصحابه هم أكثر أصحاب الأئمة الأربعة اختلافاً وافتراقاً في أصول الدين، فـ أبو منصور الماتريدي الذي كان معاصراً لـ أبي الحسن الأشعري هو حنفي المذهب، ويعد من أعيان علماء الكلام، ومن المعروف أن ما قرره الماتريدي في كتبه كـ (التوحيد) و (التفسير) وغيرها ليس هو معتقد السلف، بل إن طريقة أبي الحسن الأشعري بإجماع أهل السنة والجماعة خير من طريقة أبي منصور الماتريدي.
وكذلك الكرامية أتباع محمد بن كرام السجستاني، الذين مالوا إلى التشبيه، هم أيضاً أحناف في الجملة، وكذلك بعض الأشعرية أحناف، وكذا طائفة من المعتزلة -ولا سيما متأخريهم- كثر انتماؤهم لمذهب أبي حنيفة؛ بل إن المعتزلة المتمذهبين بأحد مذاهب الفقهاء عامتهم على مذهب الإمام أبي حنيفة في الفقه، وقد انتحلوا شيئاً من كلامه في أصول الدين وأضافوه إلى شيء مما قرروه، فضلاً عن طوائف من الصوفية التي انتحلت مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله.
وكثير من هذا الانتحال لأصول أبي حنيفة كائن في الفقه ومسائله، ولكن كثيراً منهم يطردون ذلك في مسائل أصول الدين، ومن المعلوم أن أبا حنيفة لم يثبت له مصنف واحد في مسائل أصول الدين، وأشهر ما يذكر له كتاب (الفقه الأكبر)، ومن المتحقق أنه ليس لـ أبي حنيفة، وإنما كتبه أحد علماء الحنفية فيما بعد، وأضافه إلى أبي حنيفة.
ومن المتحقق أيضاً أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله كان على طريقة أئمة السنة والجماعة، ولم يخالف شيئاً من أصول السلف إلا ما يتعلق بمسألة الإيمان، حيث ذهب إلى أن الإيمان هو التصديق بالقلب، والإقرار باللسان، وأن العمل ليس داخلاً في مسمى الإيمان.
ومذهب أبي حنيفة في الإيمان على ما ذكرنا هو المحقق عند عامة أهل العلم والمقالات، وجمهور أصحاب أبي حنيفة، ولم يتردد في نسبة ذلك إليه إلا طائفة من المتأخرين الذين يحققوا ذلك تحقيقاً دقيقاً.
وهذا مذهب حماد بن أبي سليمان الفقيه الكوفي الذي كان من تلاميذ إبراهيم النخعي.
أما مسائل الصفات والقدر فهو وإن أضيف إليه في بعض الكتب شيء من الغلط في ذلك، فإنما هذه بلاغات تحكى عنه، ولم ينضبط عن أبي حنيفة رحمه الله شيء من ذلك.
أما إمامته في الفقه فمجمع عليها بين سائر علماء المسلمين من المتقدمين والمتأخرين، وكذلك أصوله رحمه الله هي أصول الأئمة، وإن كان بعض أئمة الحديث المتقدمين يأخذون على أبي حنيفة ومن هو على طريقته اعتبار الرأي وقلة الأخذ بالسنن والآثار، وهذه مسألة أخرى تتعلق بمسائل الاستدلال الفقهي.
وعليه: فإن الإمام أبا حنيفة يضاف إلى أئمة السنة والجماعة.
هذا محصل ما يتعلق بشأن الإمام أبي حنيفة، ولذا: فإن الأحناف في الجملة لا يمثلون مذهب الإمام أبي حنيفة؛ فإن منهم أهل تأويل كالماتريدية، وطوائف من الأشعرية، ومنهم مجسمة كالكرامية، ومنهم مفوضة
إلى غير ذلك، وإن كان في الأحناف من المتقدمين والمتأخرين من هو على معتقد السلف والأئمة.