للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التفصيل في الصلاة خلف الفاجر]

وأما الصلاة خلفهم، والاقتداء بهم في الصلاة، فهذا له وجهان:

أما إن كان هذا الفاجر ولياً للأمر: فإن الإجماع منعقد على أنه يصلى خلفه ولو كان فاسقاً، وأما إن كان من الآحاد فقد كره كثير من السلف الائتمام بالفاسق، وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد، والمشهور عند متأخرة الحنابلة، وهو الذي يقررونه في كتب المذهب أن الصلاة خلف الفاسق لا تصح، وهذا لا يصح في مذهب أحمد، بل المحقق في مذهبه عند متقدمي أصحابه أنه كان يكره الصلاة خلف الفاسق، إلا إن كان ولياً للمسلمين.

ولهذا صلى الإمام أحمد خلف المعتصم، مع أن المعتصم أقل أحواله أنه فاسق، فإنه كان مظهراً لنشر البدعة والانتصار لها، وإن كان مقتدياً بأخيه، فإن أخاه ليس صاحب سنة حتى يقتدى به، وتعليله: حتى لا تسقط هيبة الخلافة .. إلخ، ليس مسوغاً من جهة الشريعة، فمع فسق المعتصم إلا أن الإمام كان يرى الصلاة خلفه.

وعليه فإن الصلاة خلف الفاسق: إن كان ولياً للأمر كأمير العامة ونحوه، فإن الصلاة خلفه تكون مشروعة، ومن الاقتداء الذي كان عليه السلف جمعاً للكلمة، وأما إن كان من آحاد الناس، فإن الصلاة خلفه صحيحة عند عامة السلف، ولكن كره بعض أئمة أهل الحديث الصلاة خلف الفاسق ولا سيما إذا كان إمام الحي، أي: إماماً راتباً، مع هذا كله فإنه إذا دخل المسجد، لا سيما بعد انقضاء جماعة الإمام الراتب، فوجد من عليه أمارة الفسق يصلي بقوم ممن لم تدركوا صلاة الإمام، فلا يجوز هنا بحال أن يتخلف عن الاقتداء به لما ظهر عليه من الفسق، بل يصلي خلفه، فإنه في هذه الحال ليس مختاراً لإمامته، ولا يصلي وحده، إلا إذا اجتهد على معنى آخر من الفقه، فإن الأئمة الثلاثة - مالكاً والشافعي وأبا حنيفة - لا يرون إعادة الصلاة في المسجد، بل المشهور في مذاهب الأئمة الثلاثة، أنه إذا صلى إمام الحي ودخل من دخل فإنهم يصلون فرادى.

بل حتى الحنابلة مع أنهم يرون إعادة الجماعة في المسجد إلا أن متأخريهم يقولون: إن مذهب أحمد أن ذلك مأذون فيه إلا مسجد مكة والمدينة، أي المسجد الحرام والمسجد النبوي قالوا: فإن إعادة الصلاة فيه جماعة مكروهة، ولهذا قالوا في مختصراتهم: (ولا تكره إعادة الجماعة في غير مسجد مكة والمدينة)، ولا شك أن هذا مذهب مرجوح، وأن الراجح هو أن صلاة الجماعة تعاد في أي مكان وتشرع في أي مكان، ولو صلى إمام الحي، وإن كان حديث: (من يتصدق على هذا) فيه كلام، فإن الاعتبار في هذه المسألة ليس بهذا الحديث، وإنما الاعتبار بعموم الأدلة التي شرعت صلاة الجماعة، فإنها أدلة ليس لها مخصص، وقد تتفق المذاهب الأربعة على قول ليس هو قول الجمهور من فقهاء السلف وأئمتهم، وهنا في مسألتنا هذه ظاهر مذهب أكثر السلف أنهم يرون إعادة الصلاة، وقد كانوا يصلون في رحالهم، ويصلون حيث أدركتهم الصلاة، وصلاة الجماعة مشروعة، بإجماع المسلمين، فلا يخص منها حال.

<<  <  ج: ص:  >  >>