[الخلاف في تكفير تارك الزكاة]
أما مسألة الزكاة فلم يذكر أحد من السلف أن فيها إجماعاً, ودعوى الإجماع فيها غلط، وقد دخل على بعض المتأخرين من أهل العلم من أصحاب أحمد وغيره, فقالوا: إن فيها إجماعاً, ومأخذهم في هذا الإجماع قتال أبي بكر رضي الله تعالى عنه لمانعي الزكاة, وما ذكره أبو عبيد وأمثاله من المتقدمين: أن الصحابة أجمعوا على قتال هؤلاء وأنهم كانوا يرونهم مرتدين، وهذا خلط في المسألة، فإن ترك الزكاة المجرد عن الجحد لها أو القتال عليها لم يجمع السلف على كونه كفراً, وذلك كترك آحاد الناس أن يؤدي زكاة ماله.
وثمة فرق بين من ترك الزكاة، وبين من تركها وقاتل على تركها، ولهذا كان أئمة المدينة النبوية كالإمام مالك والزهري وأمثالهم, وأئمة العراق كـ الثوري والإمام أحمد وأمثالهم, وأئمة الشام كـ الأوزاعي وأمثاله, يذهبون إلى أن ترك الزكاة ليس كفراً, ولكنهم قرروا أن المقاتلين على منعها كفار.
وقد حكى أبو عبيد وجماعة الإجماع على ذلك, وهذا الإجماع ليس في المأثور عن السلف ما يشكل عليه, وهو التفريق بين ترك الزكاة وبين تركها مع المقاتلة, فمن تركها مع المقاتلة فهو كافر.
فإن قيل: هل كفر بالترك، أم كفر بالمقاتلة؟ فإن قلت: إنه كفر بالمقاتلة، لزم تكفير كل من قاتل من البغاة, وإن قلت: كفر بالترك, قيل: فالمقاتلة ليست شرطاً.
فيقال: هذا فرض يفرضه الذهن, وهو إنما كفر بهما, أي: باجتماعهما, وإلا فإن المقاتلة وحدها لا تستلزم الكفر, والترك وحده كترك آحاد المسلمين الذين لم يقاتلوا لا يستلزم الكفر، نعم.
هذا ذهب طائفة من السلف إلى كونه كفراً, وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد , وذهب جماهير السلف إلى أنه ليس كفراً، ويقول الإمام أحمد رحمه الله في الرواية الأخرى: (ليس شيء من العمل تركه كفر إلا الصلاة) , والمقصود من هذا: أنه لم يقل أحد من أهل العلم: إن ترك الزكاة تركاً مجرداً عن المقاتلة كفر بالإجماع, ولكن لا يُنتقد من جعله كفراً, فإن القول بكونه كفراً قاله طائفة من السلف وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله.