[الجواب على إشكال المانعين من تكفير الحسنات للكبائر]
والذي أشكل على أكثر المتأخرين هو الذي جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وغيره:(الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)، قالوا: فهذا يدل على أن الكبائر لا تغفر، ولا شك أن هذا الاستدلال ليس استدلالاً صحيحاً، فإن الصلاة وسائر الأعمال الظاهرة، وحتى الأعمال الباطنة يقع فيها تفاضل، وليست صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، كصلاة أصحابه مع أنهم كانوا يصلون معه، وليست صلاة أبي بكر كصلاة آحاد الصحابة، وليست صلاة الصحابة كصلاة من بعدهم.
فتكون الصلاة باعتبار أصل القيام بها مكفرة للصغائر إذا اجتنبت الكبائر؛ أما الكبائر فلا يتعلق تكفيرها بإقامة الصلاة حتى ولو لم تكن الإقامة التامة الموافقة لهدي النبوة من كل جهة، والتي ذكر الله عن أهلها أنهم في صلاتهم خاشعون، فلا يلزم أن كل عمل ذكره الشارع واجباً كان أو مستحباً يكفر الكبائر باطراد كما يكفر الصغائر.
فإنه لو قيل إن التكفير يقع بمجرد إقامة الصلاة ولو غير تامة، لصح الاعتراض عليه بهذا الحديث، فإن الحديث معارض لهذا الفهم تماماً.
ولكن إذا قيل إن الأعمال المكفرة يقع بها تكفير بعض الكبائر في بعض الأحوال، فإن هذا لا يكون معارضاً، ويمكن أن يقال: إن هذه الأعمال باعتبار أصولها، تكفر الصغائر، ولكن من حققها على وجه التمام، وكانت حالته في الجملة على قدر من الاستقامة والانقياد، ولكن كان معه يسير من الذنب والكبيرة، فإن هذه الأعمال تكون سبباً للتكفير.
ومن إجماع السلف أن الله قد يغفر لأهل الكبائر بغير سبب من العبد، فمن باب أولى أن يكفر عنه وأن يغفر له بسبب منه وهو الحسنة، فإن الله قال:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود:١١٤] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها).
وإذا كان الله يغفر لبعض أهل الكبائر بسبب من غيرهم وهو دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب، أو بشفاعة الشافعين، فيمكن أيضاً أن يغفر له بسبب من أعماله الصالحة، ومن عرف مقام الصلاة ومقام الحج، ومقام الجهاد، ومقام الصيام عند الله سبحانه وتعالى، عرف أنه يمكن أن يغفر بها ما هو من الكبائر، ألم يقل الله سبحانه كما في الحديث القدسي:(الصوم لي وأنا أجزي به).
فتعليق هذه الأمور على التوبة لا شك أنه تعليق ضيق، بل يقال: إن هذه الأعمال كفارات للصغائر، وقد يقع في هذه الأعمال كأصول الواجبات من الحج والجهاد والصيام والصلاة، ما هو مكفر لبعض الكبائر، وهذه أحوال لا تطرد، وإنما يختص الله سبحانه وتعالى برحمته وتوفيقه من يشاء من عباده.