الطعن الذي يمكن أن يصح هو في شأن يزيد بن معاوية، ومعلوم أن يزيد بن معاوية ليس صحابياً ولا له درجة الصحبة، وله بعض المحاسن التي تذكر، إلا أن له بعض الأغلاط الكبار، وأشد أغلاطه وأخسها حاله مع الحسين بن علي رضي الله عنه، وحاله مع أهل المدينة، ومع هذا فقد كان فيه قدرٌ واسع من العدل، ولكنه كان حريصاً على تصفية خصوم الدولة الأموية إذا ذاك، ولم يكن مبالياً بمقام ابن الزبير ومقام الحسين بن علي وما حصل من أهل المدينة، مع أن الظاهر في أهل المدينة أنهم أخطئوا فيما فعلوه، ولكن مع ذلك فإن تصرفه معهم خطأ، فإنه أرسل مسلم بن عقبة المري وأمره إن لم يستجب له أهل المدينة أن يستبيح المدينة ثلاثة أيام، ففعل، فكان هذا من أكبر الأغلاط التي وقع فيها يزيد، وإن كان هو لم يفعل بنفسه، ولكنه أرسل قائداً يعرف حاله.
وكذلك الحسين بن علي لما اضطره ابن زياد إلى القتل صبراً، مع أن الحسين بن علي تراجع مع جيش ابن زياد أن يذهب إلى يزيد بن معاوية في الشام، أو يذهب إلى أحد الثغور، أو يرجع إلى مكة، فرفض ابن زياد ومن معه فقتلوه ومن معه صبراً، ولما بلغ الأمر يزيد بن معاوية أظهر التأسف وأكرم النساء اللاتي وصلن إلى الشام من أهل البيت، لكن هذا كله حتى الكفار يفعلونه، ولا يمكن أن يعتذر عن يزيد بن معاوية بكونه لما جاءه نساء الحسين ومن معهن أكرمهم وقدرهم فهذا لا بد أن يفعله؛ إذ لا يمكن أن يقتل نساء الحسين بن علي ومن معهن.
فالقصد أنه لا شك أن يزيد بن معاوية مؤاخذ، لا نقول عند الله، ولكن لا شك أنه غلط واستحق الطعن فيه بسبب ما تصرف به في مسألة المدينة ومسألة الحسين بن علي، فإنه صحابي من أشرف الصحابة، وابنٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقتل صبراً وفي أنواع من الظلم متوالية ومتواترة، فلا ينبغي أن يستحي أهل السنة من ذكر يزيد بن معاوية بهذا مع ما له من الحسنات والفضائل والعدل في مقامات متعددة، فأحسن ما يكون حال يزيد بن معاوية مع الحسين بن علي، ما قال أبو سفيان في يوم أحد:(ما أمرت بها ولم تسؤني)، مع أن الظاهر أنه أمر بها بشكل آخر، فإنه أرسل رجلاً يعرف حاله وهو ابن زياد، والدليل على هذا أنه ما قتل ابن زياد ولا عاقبه معاقبة بينة.
وكانت طريقة بني أمية أن يجعلوا أكثر المشاكل في وجه القادة، مثل الحجاج بن يوسف لما قتل ابن الزبير، ومثل مسلم بن عقبة لما استباح المدينة، ومثل ابن زياد لما قتل الحسين، فيجعلون هذا في وجه القادة، ثم يظهرون الندم والتأسف، وهذه طريقة شائعة في سياسة بني أمية.