للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم تارك المباني الأربعة]

المأثور عن الأئمة في المباني الأربعة من الخلاف في كون تركها كفراً أو ليس كفراً هو باعتبار آحادها، فمن لم يكفر تارك الصلاة، لم يلزم من ذلك أنه يرى أن من جمع ترك الصلاة مع الزكاة مع الصوم مع الحج، لا يكون عنده كافراً.

فمن حكى عن الشافعي أو مالك أن من ترك المباني الأربعة مجتمعة لا يكون كافراً، ومعتبره في ذلك أن مالكاً والشافعي لا يكفرون تارك الصلاة؛ فقد غلط، فإن حكم الواحد يختلف عن حكم المجموع، وبإجماع العقلاء وأهل الحقيقة الشرعية، أن من ترك الصلاة وحدها في الإثم والغلط ليس كمن تركها وجمع مع ذلك ترك الزكاة والصوم والحج، فإن هذه حال مختلفة، ويعلم بهذا التنازع في آحاد المباني الأربعة غلط من يقول: بأن من ترك المباني الأربعة مجتمعة لا يكون كافراً بإجماع السلف، فإن هذا الإجماع ما قاله أحدٌ من السلف البتة.

ومن كفر تارك الصلاة وهم الجماهير من أهل الحديث، فلا بد أنهم يكفرون تارك المباني الأربعة مجتمعة، ويكون القول بأن ترك المباني الأربعة مجتمعة كفر، هو قول الجماهير من أهل السنة والحديث على أقل تقدير، والقول الآخر لو صح -ولا أقول: إنه مأثور عن السلف- وهو أن ترك المباني الأربعة مجتمعة ليس كفراً؛ لكان أحد القولين للمتقدمين، ولكان قول الجماهير على خلافه.

فعلى هذا: فقول من يقول بأن من ترك العمل كله، أو بما يعبر عنه بجنس العمل، فإنه في مذهب السلف لا يكون كافراً؛ هذا لا شك أنه ممتنع من حيث النقل المجرد، وإلا فلا شك أن الصواب أن ترك المباني الأربعة مجتمعة مع أصول الشرائع كفر بإجماع السلف.

وقد كان السلف يعدون القول بعدم تكفير تارك المباني الأربعة مع أصول الشرائع من مقالات المرجئة، قال إسحاق كما ثبت عنه بسند صحيح عند الخلال وغيره: (غلت المرجئة حتى كان من قولهم: إن من ترك الصلاة والزكاة والصوم والحج وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره إذ هو مقر) ومن فقه إسحاق أنه ما ذكر مسألة المستحبات.

والإشكال عندهم أنهم يقولون: كيف نكفره وهو مقر في الباطن مؤمن، والجواب: أنه إذا كفر ظاهراً في نفس الأمر، لزم أن يكون في الباطن كافراً.

قال إسحاق: (فهؤلاء الذين لا شك عندي أنهم مرجئة)، ويقارب قوله قول لـ سفيان بن عيينة رحمه الله، وقد حكى الآجري وأبو عبد الله بن بطة، والإمام ابن تيمية الإجماع على هذا المعنى، وهو: أن من هجر أصول الشرائع فما ركع لله ركعة ولا سجد له سجدة، ولا صام يوماً ولا أتى البيت ولا طاف طوافاً، وهجر أصول الشرائع الواجبة مع وجود الإرادة والقدرة، أن هذا لا يكون إلا عن كفرٍ في الباطن، وهذا ما صرح به شيخ الإسلام رحمه الله.

وأما المنازع في أحد المباني الأربعة فما كان السلف يعدونه مرجئاً، ولا عليه أثر الإرجاء كانت المنازعة معروفة، والصحيح من مذاهبهم، وهو المحقق في مذهب الإمام أحمد رحمه الله، أن العبد لا يكفر بترك واحد من المباني الأربعة إلا الصلاة، وأما غيرها كالزكاة والصوم والحج، فضلاً عما دونها من الواجبات والشرائع، فلا شك أن تركها ليس كفراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>