للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مذهب السلف في الإيمان]

قول السلف الذي حكى الإجماع عليه غير واحد من الأئمة أن الإيمان قول وعمل، وألفاظ السلف في هذا المقام مختلفة، ولكن اختلافها من باب اختلاف الألفاظ، فالذي عبر به الجماهير من أئمة السنة والحديث هو أن الإيمان قول وعمل، وعبر طائفة منهم بأن الإيمان قول وعمل واعتقاد، وعبر طائفة منهم البخاري في صحيحه بأن الإيمان: (قول وفعل)، وعبر بعضهم بأن الإيمان: (قول وعمل ونية واتباع للسنة)، إلى أمثال ذلك من الجمل المأثورة عن بعض أعيان السلف.

وهذه الجمل ليس بينها اختلاف عند التحقيق، بل هي جمل متفقة من حيث المعنى، وإن كان المأثور عن جماهير من السلف هو أجود التعبيرات، وهو قولهم: الإيمان قول وعمل، ومرادهم بالقول هنا: قول القلب وقول اللسان، ومرادهم بالعمل: عمل القلب وعمل الجوارح، فأما قول اللسان فبين، وأما عمل الجوارح فبين، وهي الشرائع الظاهرة كالصلاة والصوم والحج وأمثال ذلك، وأما قول القلب -وهو أصل الإيمان عند السلف ومبناه- فمرادهم به: تصديق القلب.

وأما عمل القلب فهو: حركته بهذا التصديق في أعماله المناسبة له، كالمحبة والرضا والخوف والاستعانة إلى غير ذلك من أعمال القلوب، وعليه فأصول الإيمان على هذا الاعتبار تكون أربعة: تصديق القلب وعمل القلب وقول اللسان وعمل الجوارح.

وأما ذكره الشافعي وأمثاله -وهو الشائع في كلام أكثر المتأخرين من أهل السنة- من أنه قول وعمل واعتقاد، فإنهم يريدون بالقول: قول اللسان، ويريدون بالعمل: الأعمال الظاهرة والباطنة، ويريدون بالاعتقاد: التصديق.

فالقصد أن هذه الجمل المأثورة عن السلف لا خلاف بينها في نفس الأمر.

وعلى هذا المعنى أجمع السلف رحمهم الله، وأجمعوا على أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وزيادته ونقصانه متعلقة بأصوله الأربعة، فليست مختصة بالعمل وحده، بل يزيد وينقص من جهة الأعمال الظاهرة، ومن جهة الأقوال إذا ما فسر قول اللسان بغير الشهادتين، ويزيد وينقص في أعمال القلوب، بل حتى التصديقات متفاضلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>