للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أصل الإيمان في القلب]

من المسائل أيضاً: مسألة قد يتردد فيها البعض من المتأخرين، وربما أطلق البعض أنها من أثر الإرجاء، وليست كذلك، وهي أن من أصول السلف أن أصل الإيمان في القلب، وهذا باتفاق السلف، وهو يرجع إلى مسألة التلازم بين الظاهر والباطن.

وإذا قيل أصل الإيمان في القلب، فمعنى هذا أن العمل الظاهر من حيث هو ليس إيماناً، وإن كان إذا فعله العبد مجرداً عن التصديق في الباطن قد يحصل به نجاته في مسألة الأحكام الدنيوية، ولهذا كان المنافقون يصلون ويظهرون بعض الشرائع، فكان ذلك موجباً لحقن دمائهم ونحو ذلك.

ولهذا قال شيخ الإسلام: (والمنافقون زمن النبوة مع أنهم كفارٌ في الباطن، كان الأصل فيهم تحريم الدماء، وكانوا يتوارثون مع المسلمين، إلى غير ذلك من الأحكام)؛ فالأعمال الظاهرة مبنية على الباطن، وعليه فيقال: إن الإيمان أصله في القلب.

وهذا صريح في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:١٤]، وللسلف في هذا قولان: فمنهم من قال: إنهم قالوا: (آمنا)، فنهاهم سبحانه وقال: (وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا): أي استسلمنا خوف القتل، وكان البخاري وطائفة يذهبون إلى أن هؤلاء الأعراب من أهل النفاق، وأنهم استسلموا خوف القتل، فمنع الله سبحانه وتعالى أن يقولوا: (آمنا) وقال: (قُولُوا أَسْلَمْنَا)؛ لأن لفظ الإسلام إذا أطلق يدخل فيه المنافق.

ولكن الجماهير من السلف يقولون: إن هؤلاء الأعراب من أهل الإيمان، أي: أن معهم أصل الإيمان، وأنهم مسلمون ظاهراً وباطناً وليسوا منافقين، لكن الإيمان لا يضاف إلا لمن استقامت حاله ظاهراً وباطناً على الإطلاق، ولهذا قال النبي لـ سعد: (أو مسلم)، عندما كان يقول: (أعط فلاناً فإنه مؤمن)، مع أن معه أصل الإيمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>