للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلام على حال أبي إسماعيل الهروي]

ويقع نوع من ذلك في كلام من دونهم من الصوفية الذين عندهم قدر من الانحراف عن جادة السلف في باب السلوك والأحوال، كحال أبي إسماعيل الأنصاري الهروي الحنبلي، صاحب كتاب (ذم الكلام) وكتاب (منازل السائرين)، فهو في منازله يسقط بعض مقامات الشرع بمقام القدر، فلم يحقق هذا الأصل، بل غلط فيه غلطاً شديداً.

بل إنه قال كلاماً ظاهره الموافقة لمذهب وحدة الوجود حيث قال:

ما وحد الواحد من واحد ... إذ كل من وحده جاحد

توحيد من ينطق عن نعته ... عارية أبطلها الواحد

توحيده إياه توحيده ... ونعت من ينعته لاحد

لكن الهروي رحمه الله لا شك أنه بريء من مذهب ابن عربي والتلمساني وأمثالهم من الصوفية المتفلسفة القائلين بوحدة الوجود، وإن كان قد يستعمل بعض حروفهم، بل هو فاضل في إثبات صفات الله سبحانه، وله رد على الجهمية، وتقرير حسن للصفات، وإن كان يزيد ويبالغ في إثبات الصفات.

كما أن منهجه في التكفير ليس معتبراً على جادة السلف، ولما تكلم عن الأشاعرة قال عن أبي الحسن الأشعري في كتابه (ذم الكلام): (وقد شاع في المسلمين أن رأسهم علي بن إسماعيل الأشعري، لا يصلي ولا يتوضأ، وأخبرني فلان -ثم ساق سنداً عنده- أنه مات متحيراً).

وهذا ليس كذلك، بل الأشعري يعرف بكثير من الخير والإيمان، كما قال شيخ الإسلام عنه: (وقد استفاض في المسلمين ما له من الديانة والقصد إلى السنة)، وقال عن عبد الله بن سعيد بن كلاب: (وأبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب إمام له علم وفقه).

والقصد أن الهروي شديد في هذا الباب، حتى قال شيخ الإسلام في (منهاج السنة): (إن أبا إسماعيل الأنصاري من المبالغين في ذم الجهمية وتكفيرهم).

كما أن للهروي أغلاطاً شديدة في القدر، بل قال شيخ الإسلام: (إن قول أبي الحسن الأشعري في القدر خير من قول أبي إسماعيل الأنصاري).

وعليه فإن أخص من نازع في مقام الجمع بين الشرع والقدر هم: الصوفية الذين أسقطوا بعض مقامات الشرع، بما هو من القدر، وأصل إسقاط مقام الشرع بالقدر هو مذهب المشركين، الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ الله مَا أَشْرَكْنَا} [الأنعام:١٤٨] وليس في المسلمين من عطل سائر الشرع بالقدر، ومن أطلق هذا التعطيل كما أطلقه بعض غلاة الصوفية كـ التلمساني، فليعلم أنه من الكفر المحض الذي لا يُنظر في شأن صاحبه، ذلك أن المقالات الكفرية التي تخالف مذهب السلف تنقسم إلى قسمين:

<<  <  ج: ص:  >  >>