وأما المرجئة فإن أقوالهم في أهل الكبائر ليست مفصلةًَ كأقوالهم في الإيمان، ومذاهب المرجئة في حكم أهل الكبائر ثلاثة:
القول الأول: وهو قول غاليتهم، أنهم لا يعرضون لشيء من العذاب البتة، فيجزمون ببراءة سائر أهل الكبائر من عذاب الله سبحانه وتعالى، وهذا القول كما يقرر شيخ الإسلام رحمه الله يذكر في كتب المقالات عن غالية المرجئة، ولم يحفظ عن أحد من الأعيان المعروفين منهم أنه كان ينص على هذا القول وينتصر له، ولكن جاء في كتب المقالات أن هذا هو قول غالية المرجئة، وقد نسبه ابن حزم وأبو الحسن الأشعري إلى مقاتل بن سليمان ولا يصح ذلك عنه، ولكن يطلق ويقال: هذا قول الغالية من المرجئة؛ لأن هذا شائع في كتب المقالات.
القول الثاني: ويسمى قول الواقفة من المرجئة، وهم الذين قالوا: إن أهل الكبائر تحت المشيئة، ولما كانوا ينكرون حكمة الله سبحانه وتعالى في أفعاله، أو ما يسمونه التعليل، فإنهم قالوا: إن أهل الكبائر تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى.
وهذه الجملة من حيث الإجمال لا إشكال فيها، فإن الله سبحانه وتعالى قال:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء:٤٨]، ومن أصول أهل السنة والجماعة أن أهل الكبائر في الآخرة تحت مشيئة الله.
ولكن جهة الغلط عند واقفة المرجئة، أنهم قالوا: تحت مشيئة الله، ووقفوا على هذا ثم قالوا: قد يعذب سائرهم بالنار، ثم يخرجون منها، وقد يغفر لسائرهم، فلا يدخل أحد من أهل الكبائر في النار، وقد يعذب الأكثر حسنات ويغفر للأكثر سيئات، وهذا معنى كونهم واقفة، أي أنهم يقولون: إنهم تحت المشيئة، ثم مع ذلك يفصلون تفصيلاً يقع على سائر الفروضات العقلية في المشيئة، ولم يراعوا في ذلك أخبار الشارع فضلاً عن حكمته.
وهذا القول يقوله طوائف من المرجئة، وهو قول أبي الحسن الأشعري وجمهور أصحابه، وإن كان الأشعري يذكر في كتبه ما يوحي أنه يخالف هذا القول، لكن على أقل تقدير هو أحد قولي أبي الحسن وجمهور أصحابه، وإلا فـ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يجزم بأن الأشعري على هذا المذهب وأنه لا يذكر في كتبه إلا مسألة المشيئة.
ويمكن أن يقال: إن للأشعري في هذا قولين: الأول: هو القول الموافق لقول مقتصدة المرجئة، والثاني: وهو المعروف عنه في الكتب الكلامية، هو هذا القول.
القول الثالث: هو قول مقتصدة المرجئة، وهؤلاء يوافقون السلف في حكم أهل الكبائر، ومن هؤلاء الفضلاء من أصحاب أبي الحسن الأشعري، فيقال: إن هؤلاء، وهم المقتصدة من المرجئة يوافقون السلف في حكم أهل الكبائر.