توسع بعض المتأخرين من أهل العلم فصاروا يسمون كثيراً من الكبائر شركاً؛ لأن الكبيرة تنقص تمام التوحيد، ولا شك أن هذه التسمية فيها نظر، والصواب أنه لا يسمى عمل أو قول كفراً أو شركاً أو نفاقاً إلا إذا كان الشارع قد سماه كذلك؛ لأن هذه التسمية معتبرة بالقدر والصفة، فليست معتبرة بالقدر وحده؛ لأنها لو كانت معتبرة بالقدر وحده للزم من ذلك أن العمل الذي دلت الدلائل الشرعية على أنه أعظم من هذا العمل الذي سماه الشارع نفاقاً أنه من باب أولى أن يسمى نفاقاً.
مثلاً: سمى الشارع الكذب نفاقاً: (إذا حدث كذب)، ولم يُسَمِّ قتل النفس نفاقاً، مع أن قتل النفس أعظم من الكذب، فلو اعتبرنا مسألة القدر، لقلنا من باب أولى أن يسمى قتل النفس نفاقاً، إلا أن الصفة قضاء شرعي لا يجوز الاجتهاد فيه، ولهذا لما ذكر صلى الله عليه وسلم النفاق، ذكر من الأعمال المخالفة ما هو مناسب لماهية النفاق، كالكذب والغدر والفجور في الخصومة، ونحو ذلك.
وأيضاً سمى إباق العبد كفراً، لكن لو أن العبد قتل نفسه ما سماه الشارع كفراً، مع أنه سمى مقاتلة المسلمين بعضهم لبعض كفراً كما قال في حديث أبي بكر وعمر:(لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، ومن حديث ابن مسعود:(سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)، وقتل النفس أعظم من قتل الغير، فقد قال عليه الصلاة والسلام فيمن قتل نفسه:(خالداً مخلداً فيها أبداً)، وإن كان هذا الحرف -أبداً- ليس محفوظاً كما ذكره الإمام الترمذي، وإن أخرجه الشيخان.