للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المقالات المبتدعة والفلسفية هي نظريات منقولة]

وينبغي أن يفهم أن كثيراً من البدع المغلظة التي قالها بعض غلاة المتكلمين، فضلاً عن المقالات التي قالها المتفلسفة، إما متفلسفة النظار، وإما المتفلسفة الباطنية، سواء كانوا ممن ينتسبون للتشيع أو ينتسبون للتصوف؛ كثيرٌ من هذه المقالات التي ذكروها في مقام الوجود، أو في القدر، أو في الصفات، أو في أفعال الرب أو في حدوث العالم، ومسألة الصدور أو الفيض التي يذكرها ابن سينا، وأمثال هذه النظريات ينبغي أن يعلم أنها نظريات منقولة، وأنها ليست نتيجة اشتباه اشتبه عليهم في بعض النصوص، فأدى نظرهم في بعض النصوص إلى هذه المقالات.

بل هناك موجبات أوجبت عندهم هذه الأقوال، إما من الفلسفة المنقولة، أو ما هو مركب منها ومولد منها، كما هو شأن الغالب من المتكلمين، وإن كان هؤلاء مع هذا يستعملون كلمات من كلمات الشريعة، وينتسبون إلى الإسلام، فنظرية الجبر بصورتها الجبرية الغالية التي كان يقولها الجهم بن صفوان، ونظرية القدر بصورتها الغالية التي كان يقولها غلاة القدرية الذين ينكرون علم الرب بما سيكون؛ هذه نظريات منقولة، وكانت نظريات فلسفية سابقة، والرازي وأمثاله من النظار الذين كتبوا في النظريات المتقدمة كانوا يذكرون هذا عن أقوام من الفلاسفة.

بل إن الرازي يقول: (إن فلاسفة فارس كانوا يذهبون إلى مذهب القدرية، حتى إنهم جعلوا الألعاب التي وضعوها -وذكر منها: لعبة الشطرنج- مبنية على مذهب القدر، قال: والفلاسفة من الهند كانوا مشتغلين بنظرية الجبر، قال: حتى أنهم لما وضعوا لعبة النرد وضعوها على طريقة الجبر) ذكر الرازي هذا في بعض كتبه ومنها (المطالب العالية).

ويجب أن يُعلم أن كل متشيع وكل متصوف يستعمل مثل هذا، فلا بد أنه متفلسف من وجه، وإن كان ظاهره التشيع أو التصوف، إلا أن ابن عربي لا يعرفه كثير من العامة، بل كثير من الناظرين لا يعرفون إلا أنه مجرد صوفي، كما أنهم يقولون -مثلاً- عن بعض العباد كـ الجنيد بن محمد، أو الفضيل بن عياض: إنه صوفي، فيجعلون مسالك الصوفية بها اشتملت عليه من أنواع من التعبد والعرفان قادتهم إلى مثل هذه الكلمات.

<<  <  ج: ص:  >  >>