للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبهذا التفصيل تبين عذر الأئمة فى عدهم الشاذ ما زاد على العشرة؛ لندور أن يكون فى الزائد عليها ما يجمع الشروط، ولا سيما إذا روعى قول الهذلى: ألا يخالف الإجماع، أى: لا يوجد عند أحد إلا عند ذلك القارئ.

وانظر قول الشيخ تقى الدين بن تيمية المبدّأ به حيث قيد جواز القراءة بقراءة الأعمش مثلا: أن تثبت عند القارئ كما تثبت عنده قراءة حمزة والكسائى، فإن هذا الشرط الذى أشار إليه متعذر الوفاء؛ لأن قراءة حمزة والكسائى قد رويتا من طرق متعددة إليهما لا تدانيهما فى ذلك القراءة المنسوبة إلى الأعمش، لا من حيث كثرة الطرق إليهما، ولا من حيث ما حصل لقراءتهما من التلقى بالقبول من بعد عصر الأئمة المجتهدين من أول القرن الرابع، وهلم جرّا.

وانظر تقييد الدانى بقوله: التى لا شذوذ فيها، فإنه ينبغى تفسيره بما أشار إليه الهذلى من مراعاة الإجماع، والعمدة فيما ذكرته إطباق أئمة الفقه والأصول على أن الشاذ لا يجوز تسميته قرآنا، والشاذ ما وراء العشرة على المختار، فهذا هو المعتمد؛ لأن الرجوع فى الجواز وعدم الجواز إنما هو حق لأئمة الفقه الذين يفتون فى الحلال والحرام، ثم اقتضى التحقيق اعتبار الشروط فى المنقول عن العشرة بل وعن السبعة، وإلى ذلك يشير قول الشيخ تقى الدين السبكى فى آخر كلامه؛ فلذلك اخترت الاعتماد عليه، وقد ذكر الشيخ أبو شامة فى كتابه «المرشد» - وهو ممن كان اجتمع له التقدم فى الفقه والحديث والقراءات- فصلا فى ذلك مبسوطا فى شرح ما ذكرته وما ذكره الشيخ تقى الدين السبكى، وهذا نصه:

فصل: واعلم أن القراءات الصحيحة المعتبرة المجمع عليها قد انتهت إلى القراء السبعة المتقدم ذكرهم، واشتهر نقلها عنهم؛ لتصديهم لذلك وإجماع الناس عليهم، فاشتهروا بها كما اشتهر فى كل علم من الحديث والفقه والعربية أئمة اقتدى بهم وعول فيه عليهم، ونحن وإن قلنا: إن القراءات الصحيحة إليهم نسبت وعنهم نقلت، فلسنا ممن يقول: إن جميع ما روى عنهم يكون بهذه الصفة به، بل قد روى عنهم ما يطلق عليه أنه ضعيف؛ لخروجه عن الضابط باختلال بعض الأركان الثلاثة، ولا ينبغى أن يغترّ بكل قراءة نقلت تعزى إلى واحد من هؤلاء ويطلق عليها لفظ الصحة، إلا إذا دخلت فى ذلك الضابط، وحينئذ لا ينفرد بنقلها مصنف عن غيره.

والحاصل أن القراءات المنسوبة إلى كل قارئ من السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه والشاذ، غير أن هؤلاء السبعة لشهرتهم وكثرة الصحيح المجمع عليه فى قراءاتهم تركن النفس إلى ما نقل عنهم فوق ما تركن إلى ما ينقل عن غيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>