للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المباعر [ذوات اللبن] (١) جمع: حاوية أو حاوياء أو حوية، ووزنها على الأولين: فواعل،


حملته الحوايا من الشحم، فإنه أيضا غير محرم، وهذا هو الظاهر.
الثانى: أنها فى محل نصب نسقا على «شحومهما» أى: حرمنا عليهم الحوايا أيضا، أو ما اختلط بعظم؛ فتكون الحوايا والمختلط محرمين، وإلى هذا ذهب جماعة قليلة، وتكون «أو» فيه كالتى فى قوله- تعالى-: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً [الإنسان: ٢٤] يراد بها: نفى ما يدخل عليه بطريق الانفراد؛ كما تقول: «هؤلاء أهل أن يعصوا فاعص هذا أو هذا» فالمعنى: حرم عليهم هذا وهذا.
وقال الزمخشرى: «أو بمنزلتها فى قولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين».
قال أبو حيان: «وقال النحويون: «أو» فى هذا المثال للإباحة، فيجوز له أن يجالسهما وأن يجالس أحدهما، والأحسن فى الآية إذا قلنا: إن الْحَوايا معطوف على شُحُومَهُما أن تكون «أو» فيه للتفصيل؛ فصل بها ما حرم عليهم من البقر والغنم».
قال شهاب الدين: هذه العبارة التى ذكرها الزمخشرى سبقه إليها الزجاج فإنه قال: وقال قوم:
حرمت عليهم الثّروب، وأحل لهم ما حملت الظهور، وصارت الحوايا أو ما اختلط بعظم نسقا على ما حرم لا على الاستثناء، والمعنى على هذا القول: حرمت عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم، إلا ما حملت الظهور فإنه غير محرم، وأدخلت «أو» على سبيل الإباحة؛ كما قال تعالى:
وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً [الإنسان: ٢٤] والمعنى: كل هؤلاء أهل أن يعصى فاعص هذا أو اعص هذا، و «أو» بليغة فى هذا المعنى؛ لأنك إذا قلت: «لا تطع زيدا وعمرا» فجائز أن تكون نهيتنى عن طاعتهما معا فى حالة، فإذا أطعت زيدا على حدته، لم أكن عاصيا، وإذا قلت: لا تطع زيدا أو عمرا أو خالدا، فالمعنى: أن كل هؤلاء أهل ألا يطاع، فلا تطع واحدا منهم، ولا تطع الجماعة، ومثله: جالس الحسن أو ابن سيرين أو الشعبى، فليس المعنى: أنى آمرك بمجالسة واحد منهم، فإن جالست واحدا منهم فأنت مصيب، وإن جالست الجماعة فأنت مصيب.
وأما قوله: «فالأحسن أن تكون «أو» فيه للتفصيل» فقد سبقه إلى ذلك أبو البقاء؛ فإنه قال:
و «أو» هنا بمعنى الواو؛ لتفصيل مذاهبهم أو لاختلاف أماكنها.
وقال ابن عطية ردّا على هذا القول- أعنى: كون الْحَوايا نسقا على شُحُومَهُما-:
«وعلى هذا تدخل الْحَوايا فى التحريم. وهذا قول لا يعضده لا اللفظ ولا المعنى بل يدفعانه» ولم يبين وجه الدفع فيهما.
الثالث: أن الْحَوايا فى محل نصب عطفا على المستثنى وهو ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما؛ كأنه قيل: إلا ما حملت الظهور أو الحوايا أو إلا ما اختلط، نقله مكى، وأبو البقاء بدأ به ثم قال: «وقيل:
هو معطوف على الشحوم».
ونقل الواحدى عن الفراء أنه قال: يجوز أن يكون فى موضع نصب بتقدير حذف المضاف على أن يريد: أو شحوم الحوايا فيحذف «الشحوم» ويكتفى ب «الحوايا»؛ كما قال- تعالى-: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢] يريد أهلها، وحكى ابن الأنبارى عن أبى عبيد؛ أنه قال: قلت للفراء: هو بمنزلة قول الشاعر:
لا يسمع المرء فيها ما يؤنّسه ... بالليل إلا نئيم البوم والضّوعا
فقال لى: نعم، يذهب إلى أن «الضوع» عطف على «النئيم» ولم يعطف على «البوم»؛ كما عطفت الْحَوايا على ما ولم تعطف على الظهور.
قال شهاب الدين: فمقتضى ما حكاه ابن الأنبارى: أن تكون الْحَوايا عطفا على ما المستثناة، وفى معنى ذلك قلق بين. ينظر: اللباب (٨/ ٤٩١ - ٤٩٣).
(١) فى د، ص: أبو زيد باب اللين.

<<  <  ج: ص:  >  >>