للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ممالة] (١).

(واحتج غيره على أن أصل الراء التغليظ بكونها متمكنة فى ظهر اللسان، فقربت بذلك من الحنك الأعلى الذى به تتعلق حروف الإطباق، وتمكنت منزلتها لما عرض لها من التكرار حتى حكموا للفتحة فيها بأنها فى تقدير فتحتين، كما حكموا للكسرة فيها بأنها فى قوة كسرتين.

واعلم أن التكرار متحقق فى الراء الساكنة، سواء كانت مدغمة أو غير مدغمة، أما حصول التكرار فى الراء المتحركة الخفيفة فغير بيّن لكن الذى يصح فيها أنها فى التغليظ والترقيق بحسب ما يستعمله المتكلم، وذلك أنها تخرج من ظهر اللسان ويتصور مع ذلك أن يعتمد الناطق بها على طرف اللسان؛ فترقق إذ ذاك، أو يمكنها فى ظهر اللسان؛ فتغلظ ولا يمكن خلاف هذا، فلو نطقت بها مفتوحة أو مضمومة من طرف اللسان وأردت تغليظها لم يمكن نحو الأخرة [البقرة: ٩٤] ويشترون [البقرة: ١٧٤].

فإذا مكنتها إلى ظهر اللسان وبعدت عن الطرف استحكم تغليظها، وكذلك المكسورة إن مكنتها إلى ظهر اللسان غلظت ولم يمكن ترقيقها، ولا يقوى الكسر على سلب التغليظ عنها إذا تمكنت من ظهر اللسان إلا أن تغليظها فى حال الكسر قبيح فى النطق؛ ولذلك لا يستعمله معتبر، ولا يوجد إلا فى ألفاظ العوام، وإنما كلام العرب على تمكينها من الطرف إذا انكسرت فيحصل الترقيق المستحسن فيها إذ ذاك، وعلى تمكينها إلى ظهر اللسان إذا انفتحت أو انضمت، فيحصل لها التغليظ الذى يناسب الفتحة أو الضمة، وقد تستعمل مع الفتحة والضمة من الطرف فترقق إذا عرض لها سبب، كما يتبين فى هذا الباب فى قراءة ورش، ولا يمكن إذا انكسرت إلى ظهر اللسان؛ لئلا يحصل التغليظ المنافر للكسرة؛ فحصل من هذا أنه لا دليل فيما ذكروا على أن أصل الراء المتحركة التغليظ.

وأما الراء الساكنة فوجدناها ترقق بعد الكسرة اللازمة بشرط ألا يقع بعدها حرف استعلاء نحو الفردوس، وتغلظ فيما سوى ذلك، فأمكن أن يدعى أن تغليظها وترقيقها مرتبط بأسباب كالمتحركة، ولم يثبت فى ذلك دلالة على حكمها فى نفسها.

فأما تغليظها بعد الكسرة العارضة فى نحو أم ارتابوا [النور: ٥٠] فيحتمل أن يكون ذلك؛ لأن أصلها التغليظ كما قالوا، ويحتمل أن يكون تغليظها إذ ذاك بالحمل على المضارع، إذا قلت:

«يرتاب»؛ بناء على مذهب الكوفيين فى أن صيغة الأمر مقتطعة من المضارع، أو بناء على مذهب البصريين فى أن الأمر يشبهه المقتطع من المضارع؛ فلم يعتد بما عرض لها من الكسرة فى حال الأمر، وعند ظهور هذا الاحتمال، ضعف القول بأن أصلها التغليظ.

أما إن ثبت بالنقل عن العرب أنها ينطق بها ساكنة مغلظة بعد همزة الوصل فى حكاية لفظ الحرف فتقول: «ار» كما تقول «اب» «ات» فحينئذ يمكن أن يحتج بذلك إن ثبت على أن أصلها التغليظ، وكذلك إن ثبت أن الوقف على الأمر من «سرى» فى كلام العرب بتغليظ الراء فى قولك: «اسر» إذا لم ترم الكسرة.

وإذا تقرر هذا، فأقول: من زعم أن أصل الراء التغليظ: إن كان يريد إثبات هذا الوصف للراء مطلقا من حيث إنها راء فلا دليل عليه.

وإن كان يريد بذلك الراء المتحركة بالفتح أو بالضم، وأنها لما عرض لها التحريك بإحدى الحركتين قويت بذلك على الفتح فلزمته فلا يجوز ترقيقها إذ ذاك، إلا إن وجد سبب وحينئذ يتصور فيها رعى السبب فترقق، ورفضه فتبقى على ما استحقته من الفتح بسبب حركتها؛ فهذا كلام حسن مناسب، والله تبارك وتعالى أعلم بالحقائق.)


(١) سقط فى د.

<<  <  ج: ص:  >  >>