للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقلت للجارية: علي بدواة وقرطاس.

فغابت قليلاً وخرجت إلي بدواة مفضضة وأقلام مذهبة، فأنشأ أقول:

أحدث عن خود تحدثن مرةً ... حديث امرئ ساس الأمور وجربا

ثلاث كبكرات الصحاري جحافل ... حللن بقلبٍ للمشوق معذبا

خلون وقد نامت عيونٌ كثيرةُ ... من الراقدين المشتهين التغيبا

فبحن بما يخفين من داخل الحشا ... نعم، واتخذن الشعر لهواً وملعبا

فقالت عروبٌ ذات عز غريرة ... وتبسم عن عذب المقالة أنسبا

عجبت له أن زار في النوم مضجعي ... ولو زارني مستيقظاً كان أعجبا

فلما انقضى ما زخرفت وتضاحكت ... تنفست الوسطى، وقالت تطربا

وما زارني في النوم إلا خياله ... فقلت له: أهلاً وسهلاً ومرحبا

وأحسنت الصغرى، وقالت مجيبة ... بلفظ لها قد كان أشهى وأعذبا

بنفسي وأهلي من رأى كل ليلة ... ضجيعي، ورياه من المسك أطيبا

فلما تدبرت الذي قلن وانبرى ... لي الحكم لم أترك لذي اللب معتبا

حكمت لصغراهن في الشعر أنني ... رأيت الذي قالت جميلاً وأصوبا

قال الأصمعي: ثم دفعت الرقعة إلى الجارية، فلما صعدت إلى القصر، فإذا برقص وتصفيق ودنيا دانية وقيامة قائمة، فقلت: ما بقي لي إقامة، فنزلت عن الدكة وأردت الانصراف، وإذا بالجارية تنادي وتقول: اجلس يا أصمعي.

فقلت: ومن أعلمك أنني الأصمعي؟ فقالت: يا شيخ إن خفي علينا اسمك فما خفي علينا نظمك.

فجلست، وإذا بالباب قد فتح وخرجت منه الجارية الأولى وعلى يدها طبق من فاكهة وطبق من حلوى، فتفكهت وتحليت وشكرت صنعها، وأردت الانصراف، وإذا بالجارية تنادي وتقول: اجلس يا أصمعي، فرفعت بصري إليها فنظرت كفاً أحمر في كم أصفر فخلته البدر يشرف من تحت الغمام، ورمت لي صرة فيها ثلاثمائة دينار، وقالت: هذا صار لي وهو مني لك هبة في نظير حكومتك.

فقال لي أمير المؤمنين: لأي شيء حكمت للصغرى ولم تحكم للكبرى ولا للوسطى؟

فقلت: يا أمير المؤمنين إن بيت الكبرى قالت:

<<  <   >  >>