للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال الملك: بعد النوم.

فقال المجنون: أتوجد لذته وقد انقضى؟ فتحير الملك وزاد إعجابه وقال: لعمري إن هذا لا يحصل من عقلاء كثيرة، فأولى أن يكون نديمي في مثل هذا اليوم، وأمر أن ينصب له تخت بإزاء شباك المجنون، ثم استدعى بالشراب، فحضر فتناول الكأس وشرب، ثم ناول المجنون، فقال: أيها الملك أنت شربت هذا لتصير مثلث فأنا أشربه لأصيل مثل من؟ فاتعظ الملك بكلامه ورمى القدح من يده وتاب من ساعته، والله أعلم.

[الست بدور والأمير عمرو]

يحكى أن الرشيد أرق ذات ليلة أرقاً شديداً، فاستدعى جعفراً وقال: أريد منك أن تزيل ما بقلبي من الضجر.

فقال الوزير: يا أمير المؤمنين، كيف يكون على قلبك ضجر، وقد خلق الله أشياء كثيرة، تزيل الهم عن المهموم، والغم عن المغموم، وأنت قادر عليها؟ فقال الرشيد: وما هي يا جعفر؟ فقال له: قم بنا الآن، حتى نطلع فوق سطح هذا القصر ونتفرج على النجوم واشتباكها وارتفاعها والقمر وحسن طلعته كأنه وجه من تحب كما قيل:

فكأنما حسن السماء ولونها ... قد رقمت فيها أفانين الصور

وكأن هذا البدر حين بدا لنا ... في بعض ليل من غلاف قد ظهر

فقال الرشيد: يا جعفر، ما تلفتت نفسي إلى شيء من ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين، افتح شباك القصر الذي يطلع على البستان وتفرج على حسن تلك الأشجار واسمع صوت تغريد الأطيار وانظر إلى هدير الأنهار وشم روائح تلك الأزهار واسمع الناعورة التي كأنها أنين محب فارق محبوبه، وهي كما قال فيها بعض واصفيها:

وناعورة حنت وغنت وقد غدت ... تعبر عن حال المشوق وتعرب

وترقص عطف البان تيهاً لأنها ... تغني له طول الزمان ويشرب

وإما أن تنام يا أمير المؤمنين، إلى أن يدركنا الصباح.

فقال: يا جعفر، ما تلتفت نفسي إلى شيء من ذلك.

فقال: يا أمير المؤمنين، افتح الشباك الذي يطلع على الدجلة حتى تتفرج على تلك

<<  <   >  >>