ولما اتصلت ميسون بنت بحدل بمعاوية رضي الله عنه ونقلها من البدو إلى الشام كانت تكثر الحنين على ناسها والتذكر لمسقط رأسها، فاستمع عليها ذات يوم فسمعها تنشد وتقول:
لبيت تخفق الأرواح فيه ... أحب إلي من قصر منيف
وأكل كسيرة في كسر بيتي ... أحب إلي من أكل الرغيف
وأصوات الرياح بكل فجٍ ... أحب إلي من نقر الدفوف
ولبس عباءة وتقر عيني ... أحب إلي من لبس الشفوف
وكلب ينبح الطراق حولي ... أحب إلي من قط ألوف
وبكر يتبع الأظعان صعبٌ ... أحب إلي من بغل زفوف
وخرق من بني عمي نحيفٌ ... أحب إلي من علج عنيف
قال الراوي: فلما سمع معاوية الأبيات قال: ما رضيت ابنة بحدل حتى جعلتني علجاً عنيفاً.
[ملك فارس والبوم الواعظ له]
حكاية أجنبية عن المقام. يحكى أن بهراماً لما ولي الملك بعد أبيه، أقبل على اللهو واللذات والتنزه والصيد، لا يفكر في ملكه ولا في رعيته حتى خرجت البلاد عن يده وخربت في أيامه وقلت العمارة وخلت بيوت الأموال. فلما كان في بعض الأيام ركب إلى بعض منازهه وصيده، وهو يسير نحو المدائن، وكانت ليلة مقمرة، فدعا بالموبذان، وهو عند المجوس كحاخام عند اليهود والقسيس عند النصارى، لأمر خطر بباله فجعل يحادثه فتوسطا في سيرهما بين خرابات كانت من أمهات الضياع قد خربت في مدة ملكه لا أنيس فيها إلا البوم، وإذا ببوم يصيح وصاحبته تجاوبه من تلك الخرابات، فقال بهرام: أترى أن أحداً من الناس أعطي فهم لغة هذا الطائر المصوت في الليل البهيم؟ فقال الموبذان: أيها الملك، أنا ممن خصه الله بذلك.