وأتي المتوكل بمحمد بن النصيب ووزيره ابن الديرواني وكان محمد هذا قد خرج على المتوكل واستوزر ابن الديرواني، فلما مثل بين يدي المتوكل قال له: ما حملك على ما فعلت يا محمد؟ قال: الشقوة وحسن الظن بعفوك يا أمير المؤمنين، وأنشد يقول:
أبى الناس إلا أنك اليوم قاتلي ... إمام الهدى، والعفو بالحر أجمل
تضاءل ذبي عند عفوك قلة ... فجد لي بعفو منك، فالعفو أفضل
فقال الملك: خلو سيبله، ثم قدم ابن الديرواني فقال: اضربوا عنقه، فقال: سبحان الله، يا أمير المؤمنين، تعفو عن الرأس وتقطع الذنب؟ فضحك المتوكل وعفا عنه، انتهى.
[صرت من السجن]
كتب محمد بن عبد الملك الزيات وهو في السجن، وقد اشتد به الحال، رقعة إلى المتوكل يستعطفه على نفسه من شدة ما قاسى من الأهوال والعذاب في السجن يقول فيها هذين البيتين:
هي السبيل، فمن يوم إلى يوم ... كفرحة النائم الفرحان بالنوم
لا تعجلن، رويداً، إنها دول ... دنيا تنقل من قوم إلى قوم
قال: فلما قرأها المتوكل، رق له وبكى وأمر بإطلاقه، فذهبوا إلى السجن فوجدوه ميتاً، رحمة الله عليه.