ومن غرائب المنقول وعجائبه عن الأمير بدر الدين أبي المحاسن، يوسف المهمندار، المعروف بمهمندار العرب أنه قال حكى لي الأمير محمد، شجاع الدين الشيرازي، متولي القاهرة في أيام الكامل سنة ثلاثين وستمائة، قال: بتنا عند رجل بالصعيد، فأكرمنا، وكان الرجل شديد السمرة، وهو شيخ كبير، فحضر له أولاد بيض الوجوه، حسان الأشكال، فقلنا له: هؤلاء أولادك؟ قال: نعم، ثم قال: كأنكم أنكرتم علي بياضهم وسوادي؟ قلنا: نعم. فقال: هؤلاء كانت أمهم إفرنجية أخذتها أيام الملك الناصر صلاح الدين، وأنا شاب.
فقلنا: وكيف أخذتها؟ قال: حديثي فيها عجيب وأمري غريب.
فقلنا: أتحفنا به.
فقال: زرعت كتاناً في هذه البلدة وقلعته ونفضته، فصرفت عليه خمسمائة دينار، ثم لم يبلغ الثمن أكثر من ذلك، فحملته للقاهرة فلم يصل أكثر من ذلك فأشير علي بحمله إلى الشام، فحملته فلم يزد على تلك القيمة شيئاً، فوصلت به إلى عكا فبعت بعضه لأجلٍ والبعض تركته، واكتريت حانوتاً لأبيع على مهل إلى أن تنقضي المدة. فبينما أنا أبيع إذ مرت بي امرأة فرنجية، ونساء الإفرنج يمشين في الأسواق بلا نقاب فأتت تشتري مني كتاناً، فرأيت من جمالها ما بهرني فبعتها وسامحتها ثم انصرفت وأتت إلي بعد أيام فبعتها وسامحتها أكثر من المرة الأولى، فتكررت لي وعلمت أني أحبها فقلت للعجوز التي كانت معها: إنني قد تلفت بحبها، وأريد منك الحيلة.
فقالت لها العجوز ذلك، فقالت: تروح أرواحنا الثلاثة أنا وأنت وهو، فأعادت علي الجواب فقلت لها: أما أنا فقد سمحت بروحي في حبها، واتفق الحال على أن أدفع لها خمسين ديناراً، فوزنتها وسلمتها للعجوز فقالت: نحن الليلة عندك.
قال: فمضيت وجهزت ما قدرت عليه من مأكول ومشروب وشمع وحلوى فجاءت الإفرنجية فأكلنا وشربنا وجن الليل ولم يبق غير النوم، فقلت في نفسي: أما تستحيي من الله وأنت غريب تعصي الله مع نصرانية، اللهم إني أشهدك أني قد عففت عنها في هذه الليلة حياء منك وخوفاً من عقابك.
ثم نمت إلى الصبح، فقامت من السحر وهي غضبانة، ومضت ومضيت إلى حانوتي، فجلست فيه، فإذا هي قد عبرت علي والعجوز وهي مغضبة، وكأنها القمر، فهلكت