وحدث سليمان الوراق قال: ما رأيت أعظم حلماً من المأمون، دخلت عليه يوماً وفي يده فص مستطيل من ياقوت أحمر له شعاع قد أضاء له المجلس، وهو يقلبه بيده ويستحسنه، ثم دعا برجل صائغ وقال له: اصنع بهذا الفص كذا وكذا ونزل فيه كذا وكذا، وعرفه كيف يعمل به، فأخذه الصائغ وانصرف ثم عدت إلى المأمون بعد ثلاث فتذكره فاستدعى الصائغ، فأتي به، وهو يرعد وقد امتقع لونه. فقال المأمون: ما فعلت بالفص؟ فتلجلج الرجل ولم ينطق بكلام، ففهم المأمون بالفراسة أنه حصل فيه خلل، فولى وجهه عنه، حتى سكن جأشه، ثم التفت إليه وأعاد القول.
فقال: الأمان يا أمير المؤمنين.
قال: لك الأمان.
فأخرج الفص أربع قطع وقال: يا أمير المؤمنين، سقط من يدي على السندال فصار كما ترى.
فقال المأمون: لا بأس عليك، صنع به أربع خواتم، وألطف له في الكلام حتى ظننت أنه كان يشتهي الفص على أربع قطع. فلما خرج الرجل من عنده، قال: أتدرون كم قيمة هذا الفص؟ قلنا: لا، قل: اشتراه الرشيد بمائة ألف وعشرين ألفاً، انتهى.
ومن حلمه أيضاً. قال يحيى: كنت أنا والمأمون يوماً في بستان ندور فيه فمشينا في البستان من أوله إلى آخره، وكنت مما يلي الشمس والمأمون مما يلي الظل، فكان يجذبني أن أكون في الظل وهو في الشمس، فأمتنع من ذلك، فإذا رجعنا قال لي: والله يا يحيى لتكونن في مكاني ولأكونن في مكانك، حتى آخذ نصيبي من الشمس كما أخذت نصيبك منها.
فقلت: والله يا أمير المؤمنين لو قدرت أن أقيك من هول المطلع لفعلت.
ولم يزل بي حتى تحولت إلى الظل وتحول هو إلى الشمس، ووضع يده على عاتقي وقال: بحياتي عليك إلا ما وضعت يدك على عاتقي مثل ما فعلت، فإنه لا خير في صحبة من لا ينصف. ومن حلمه أيضاً، أنه كان له خادم يسرق طاساته التي يتوضأ فيها فقال له المأمون: إذا سرقت شيئاً فائتني بما تسرقه، فأشتريه منك.
فقال له الخادم: اشتر مني هذه، وأشار إلى التي بين يديه.