ثم قال: يا أمير المؤمنين، لو أعطيتني الخلافة ما أخذتها دون سعاد، وأنشد يقول:
أبى القلب إلا حب سعدى، وبغضت ... إلي نساء، ما لهن ذنوب
فقال له معاوية: إنك مقر بأنك طلقتها، ومروان مقر بأنه طلقها، ونحن نخيرها، فإن اختارت سواك تزوجناها، وإن اختارتك حولناها إليك. قال: افعل.
فقال: ما تقولين يا سعدى، أيما أحب إليك، أمير المؤمنين في عزه وشرفه وقصوره وسلطانه وأمواله وما أبصرته عنده، أو مروان بن الحكم في تعسفه وجوره، أو هذا الأعرابي في جوعه وفقره، فأنشدت تقول:
هذا وإن كان في جوع وأضرار ... أعز عندي من قومي ومن جاري
وصاحب التاج، أو مروان عامله ... وكل ذي درهم عندي ودينار
ثم قالت: والله يا أمير المؤمنين، ما أنا بخاذلته لحادثة الزمان، ولا لغدرات الأيام، وإن له صحبة قديمة لا تسنى، ومحبة لا تبلى، وأنا أحق من يصبر معه في الضراء كما تنعمت معه في السراء.
فتعجب معاوية من عقلها ومودتها له، وموافاتها، فدفع لها عشرة آلاف درهم، ودفع مثلها للأعرابي وأخذها وانصرف.
[الأجوبة الهاشمية]
ومن ثمرات الأوراق عن الأجوبة الهاشمية وبلاغتها في المحل الرفيع؛ فمن أجل ذلك أنه اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص، رضي الله عنه، والوليد بن عقبة، وعتبة بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، فقالوا: يا أمير المؤمنين، ابعث إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما يحضر لدينا، قال لهم: ولم؟ قالوا: كي نوبخه ونعرفه أن أباه قتل عثمان. فقال لهم معاوية: إنكم لن تطيقوه ولن تنتصفوا منه، ولا تقولوا له شيئاً إلا كذبكم ولا يقول لكم ببلاغته شيئاً إلا صدقه الناس. فقالوا: أرسل إليه فإنا نكفيه.