فانجلوا عن ضياعهم، وقلت الأموال وهلكت الجنود والرعية وطمع في ملك فارس من أطاف بها من الملوك والأمم لعلمهم بانقطاع المواد التي بسببها تستقيم دعائم الملك.
فلما سمع الملك ذلك أقام في موضعه ثلاثة أيام وأحضر الوزراء والكتاب وأرباب الدواوين فانتزعت الضياع من أيدي الخاصة والحاشية وردت إلى أربابها وحملوا على رسومهم السالفة وأخذوا في العمارة وقوي من ضعف منهم فعمرت البلاد بذلك وأخصبت وكثرت الأموال عند الجباة وقويت الجنود وانقطعت مواد الأعداء وأقبل الملك يباشر الأمور بنفسه فحسنت سيرته وانتظم ملكه حتى كانت أيامه بعده تدعى بالأعياد مما عم الناس من الخصب وشملهم من العدل.
[العاشق ذو المروءة]
حكاية أخرى أجنبية. حكي عن الأصمعي أنه قال: دخلت البصرة أريد بادية بني سعد، وكان على البصرة يومئذ خالد بن عبد الله القسري، فدخلت عليه يوماً فوجد قوماً متعلقين بشاب ذي جمال وكمال وأدب ظاهر، بوجه زاهر حسن الصورة طيب الرائحة جميل البزة، عليه سكينة ووقار، فقدموه إلى خالد فسألهم عن قصته فقالوا: هذا لص أصبناه البارحة في منازلنا. فنظر إليه فأعجبه حسن هيئته ونظافته، فقال: خلوا عنه. ثم أدناه منه وسأله عن قصته، فقال: إن القول ما قالوه والأمر على ما ذكروه.
فقال له: ما حملك على ذلك وأنت في هيئة جميلة وصورة حسنة؟ قال: حملني الشره في الدنيا. وبذا قضى الله سبحانه وتعالى.
فقال له خالد: ثكلتك أمك، أما كان لك في جمال وجهك وكمال عقلك وحسن أدبك زاجر لك عن السرقة.
قال: دع عنك هذا أيها الأمير، وانفذ ما أمرك الله تعالى به. فذلك بما كسبت يداي. وما الله بظلام للعبيد.
فسكت خالد ساكة يفكر في أمر الفتى ثم أدناه منه وقال له: إن اعترافك على رؤوس الأشهاد قد رابني وأنا ما أظنك سارقاً. وإن لك قصة غير السرقة فأخبرني بها.
فقال: أيها الأمير، لا يقع في نفسك سوى ما اعترفت به عندك، وليس لي قصة أشرحها لك إلا أني دخلت دار هؤلاء فسرقت منها مالاً فأدركوني وأخذوه مني وحملوني إليك.