[هارون والجارية السكرى]
يحكى أن هارون الرشيد هجر جارية له ثم لقيها في بعض الليالي في القصر سكرى تدور في جوانب القصر وعليها مطرف خز، وهي تسحب أذيالها من التيه والعجب، وسقط رداؤها عن منكبيها، والريح أبان نهديها كأنهما رمانتان، ولها ردفان ثقيلان، فراودها عن نفسها، فقالت: يا أمير المؤمنين! هجرتني هذه المدة وليس لي علم بملاقاتك فأنظرني إلى غد حتى أتهيأ وآتيك.
فلما أصبح قال للحاجب: لا تدع أحداً يدخل علي إلا فلانة، وانتظرها فلم تجئ فقام ودخل عليها وسألها إنجاز الموعد فقالت: يا أمير المؤمنين، كلام الليل يمحوه النهار. فقام واستدعى من بالباب من الشعراء فدخل عليه أبو نواس والرقاشي وأبو مصعب فقال لهم: هاتوا علي، كلام الليل يمحوه النهار. فقال الرقاشي: أنا قائل في ذلك ثلاثة أبيات، وأنشأ يقول:
أتسلوها، وقلبك مستطار ... وقد منع القرار فلا قرار
وقد تركتك صباً مستهاماً ... فتاة لا تزور ولا تزار
فولت وانثنت تيهاً، وقالت: ... كلام الليل يمحوه النهار
وقال أبو مصعب: وأنا قائل في ذلك ثلاثة أبيات، وأنشأ يقول:
أما والله لو تجدين وجدي ... لما وسعتك في بغداد دار
أما يكفيك أن العين عبرى ... ومن ذكراك في الأحشاء نار
تبسمت الفتاة بغير ضحك ... كلام الليل يمحوه النهار
وقال أبو نواس: أنا قائل في ذلك أربعة أبيت، وأنشأ يقول:
وخود أقبلت في القصر سكرى ... ولكن زين السكر الوقار
وهز الريح أردافاً ثقالاً ... وغصناً فيه رمانٌ صغار
وقد سقط الردا عن منكبيها ... من التخميش وانحل الإزار
فقلت: الوعد سيدتي، فقالت: كلام الليل يمحوه النهار
فقال الرشيد: قاتلك الله كأنك كنت معنا أو مطلعاً علينا.
ومر لكل بخلعة سنية وخمسة آلاف درهم، ولأبي نواس بعشرة آلاف درهم، انتهى.