فقال له عبد الملك: يا فتى ما حملك على ما فعلت؟ أستخفافاً بنا أم هوى للجارية؟ فقال: وحقك يا أمير المؤمنين، وعظيم قدرك، ما هو إلا هوى للجارية.
فقال: هي لك بما أعد لها.
فأخذ الغلام الجارية بكل ما أعد لها أمير المؤمنين من الحلي والجمان وسار بها فرحاً مسروراً حتى إذا كانا ببعض الطريق نزلا منزلاً ليلاً فتعانقا. فلما أصبح الصباح وأراد الناس الرحيل، نبهوهما فوجدا ميتين. فبكوا عليهما ودفنوهما في الطريق. ومضى خبرهما إلى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان فبكى عليهما وتعجب من ذلك.
[شجرة العروسين]
وهذه حكاية تشابهها في العشق. حكي عن عبد الله بن معمر القيسي أنه قال: حججت سنةً إلى بيت الله الحرام، فلما قضيت حجي عدت لزيارة قبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبينما أنا ذات ليلة جالس بين القبر والروضة إذ سمعت أنيناً عالياً وحنيناً بادياً، فأنصت إليه، فإذا هو يقول هذه الأبيات:
أشجاك نوح حمائم السدر ... فأهجن منك بلابل الصدر؟
أم عز نومك ذكر غانية ... أهدت إليك وساوس الفكر
يا ليلة طالت على دنف ... يشكو الغرام وقلة الصبر
أسلمت من يهوى لحر جوى ... متوقد كتوقد الجمر
فالبدر يشهد أنني كلف ... مغرى بحب شبيهة البدر
ما كنت أحسبني بها شجناً ... حتى بليت وكنت لا أدري
قال: ثم انقطع الصوت ولم أدر من أين جاءني فبقيت حائراً، وإذا به قد أعاد البكاء والحنين وأنشأ يقول هذه الأبيات:
أشجاك من ريا خيال زائر ... والليل مسود الذوائب عاكر