فشرحت له ما جرى لي مع الحجام والجندي وزوجته والمولاة التي أسلمتني، فأمر المأمون بإحضارها، وهي في دارها تنتظر الجائزة، فلما حضرت قال لها المأمون: ما حملك على ما فعلت تسليمك إبراهيم مع إنعامه عليك؟ قالت: رغبة في المال.
قال هل لك من ولد أو زوج؟ قالت: لا، فأمر بضربها مائة سوط وأمر بتخليدها في السجن، ثم أحضر الجندي وامرأته والحجام، فسأل الجندي عن السبب الذي حمله على ما فعل؟ قال: رغبة في المال.
فقال: إنك أولى في أن تكون حجاماً من أن تكون خداماً، ووكل من يلزمه الجلوس في مكان الحجام، ليتعلم الحجامة، وأحسن إلى امرأته وجعلها قهرمانة قصره وقال: هذه امرأة أديبة تصلح للمهمات، وسلم للحجام دار الجندي وما فيها، وخلع عليه وأثبته برزقه في الديوان، وزيادة ألف دينار في كل سنة، ولم يزل كذلك إلى أن مات، والله أعلم.
[صيد الجواري]
وعن محمد بن عبد الله التميمي، قال: حدثنا أحمد بن محمد الحريري قال: كان لحمنة بنت عبد الرحمن الهاشمي من الأموال ما لا يسعه الديوان، ولا تأكله النيران لكثرته، وكانت أدب نساء بني هاشم وأفصحهن لساناً وأقولهن شعراً، فدخلت على المأمون يوماً، وكانت تحبه غاية الحب سراً، وكن المأمون جالساً في إيوان قد ابتدعه لنفسه لم يبتدعه أحد من الخلفاء قبله، وكان قد تأنق في بنائه، وكان فيه من كل صورة في البر والبحر ممثلة من الذهب والفضة، وقد فرشه ببساط من الديباج الأصفر، وأسبل عليه ستوراً من الحرير الصيني، وقد أقام فيه أربعمائة وصيفة بقراطق الحرير، وقد لبسن الوشي بطرر وشعور وأصداغ، وهن بقد واحد، لا تزيد الواحدة منهن على الأخرى، أقام مائتين عن يمنيه ومائتين عن يساره، فقال: يا حمنة! هل كان لأبيك أو لبعلك أو لأحد من الخلفاء مثل هذا الإيوان مع فرشه، ومثل هؤلاء الجواري مع زينتهن؟ فقالت: يا أمير المؤمنين! متعك الله به وعمره بك، فلقد أوتيت ملكاً عظيماً تستأهله لترفهك وشرفك، فإن أحببت خادمتك حمنة أجلستك في مجلس لم تجلس في مثله قط وأصادتك صيداً لم تصد مثله قط، وأسقتك شراباً لم تشرب مثله قط.