مما اتفق أن الوزير أبا عامر أحمد بن مروان كان قد أهدي له غلام من النصارى لا تقع العيون على أحسن منه. فلمحه الملك الناصر، فقال له: أنى لك هذا؟ قال: هو من عند الله.
فقال: تتحفونا بالنجوم، وتستأثرون بالأقمار.
فاعتذر إليه ثم احتفل في هدية بعثها إليه مع الغلام، وقال له: كن داخلاً في جملة الهدية ولولا الضرورة ما سمحت بك نفسي، وكتب معه هذه الأبيات:
أمولاي هذا البدر سار لأفقكم ... وللأفق أولى بالبدور من الأرض
أرضيكم بالنفس، وهي نفيسة ... ولم أر قبلي من بمهجته يرضي
قال: فحسن ذلك عند الناصر، وأتحفه بمال جزيل، وتمكن عنده، ثم بعد ذلك أهديت للوزير جارية من أجمل نساء الدنيا، فخاف أن ينهى ذلك إلى الناصر فيطلبها، فتكون كقصة الغلام، فاحتفل في هدية أعظم من الأولى وأرسلها مع الجارية، وكتب معها هذه الأبيات:
أمولاي هذي الشمس والبدر أولاً ... تقدم كيما يلتقي القمران
قران لعمري بالسعادة ناطق ... فدم معها في كوثر وجنان
فما لهما والله في الحسن ثالث ... وما لك في ملك البرية ثان
قال: فتضاعفت مكانته عنده، ثم وشى به بعض أعدائه عند الناصر أن عنده بقية من حب الغلام، وأنه لا يزال يلهج بذكره حين تحركه الشمول، فيقرع السن على تعذر الوصول إليه. فقال الناصر للواشي: لا تحرك به لسانك، وإلا طار رأسك، وكتب على لسان الغلام ورقة فيها: يا مولاي تعلم أنك كنت لي على الانفراد، ولم أزل معك في نعيم وأنا وإن كنت عند السلطان مشاركاً في منزله محاذراً ما يبدو من سطوة الملك، فتحيل في استدعائي منه.
ثم بعثها مع غلام صغير وأوصاه أن يقول هي من عند فلان، وإن الملك لم يكلمه قط، فلما وفق عليها أبو عامر واستخبر الخادم أحس بالمكيدة، فكتب على ظهر الورقة يقول: