كانت علامات تحقيقي، فقال فمي: ... هي المنازل لي فيها علامات
مذ أنشأتنا سجعنا في محاسنها ... مغردين، وللإنشاء سجعات
هذا وأفواه كاساتي قد ابتسمت ... لما حبتها ثغور لؤلؤيات
ومن يقل حركات الزهر ما سكنت ... فللحباب على التسكين جزمات
[جارية ثمن إعراب بيت]
وألطف من ذلك ما حكاه محمد بن يزيد المبرد، قال: كان أبو عثمان المازني جاء إليه يهودي وسأله أن يقرئه كتاب سيبويه، وبذل له مائة دينار. فامتنع أبو عثمان من ذلك، فقلت له سبحان الله: ترد مائة دينار مع فاقتك وحاجتك إلى درهم واحد؟ فقال: نعم يا أبا العباس: اعلم أن كتاب سيبويه يشتمل على ثلاثمائة آية من كتاب الله، ولا أرى أن أمكن منها كافراً.
فسكت، ولم يتكلم. قال المبرد: فما مضت إلا أيام حتى جلس الواثق يوماً للشرب وحضر ندوماؤه فغنت جارية في المجلس هذا الشعر:
أظلومٌ إن مصابكم رجلاً ... أهدى السلام تحية ظلم
فنصبت رجلاً، فلحنها بعض الحاضرين من الندماء، وقال: الصواب الرفع لأنه خبر إن. فقالت الجارية: ما حفظته من معلمي إلا هكذا.
ثم وقع النزاع بين الجماعة، فمن قائل الصواب معه، ومن قائل الصواب معها، فقال الواثق: من بالعراق من أهل العربية ممن يرجع إليه؟ فقالوا: بالبصرة أبو عثمان المازني، وهو اليوم واحد عصره في هذا العلم.
فقال الواثق: اكتبوا إلى والينا بالبصرة يسيره إلينا معظماً مبجلاً فما كان إلا أيام حتى وصل الكتاب إلى البصرة، فمر الوالي أبا عثمان بالتوجه وسيره على بغال البريد، فلما وصل دخل على الواثق، فرفع مجلسه وزاد في إكرامه وعرض عليه البيت، فقال: الصواب مع الجارية، ولا يجوز في رجل غير النصب لأن مصاب مصدر بمعنى الإصابة ورجلاً منصوب به، والمعنى أن إصابتكم رجلاً أهدى السلام تحيةً ظلمٌ، فظلم خبر إن؛ وما يتم الكلام إلا به.