للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[عدل ابن طولون]

لما عزم أحمد بن طولون على بناء الجامع المعروف به في مصر القاهرة أنفق عليه مائة ألف دينار، ورتب فيه للعلماء والقراء وأرباب الشعائر والبيوت في كل شهر عشرة آلاف دينار، وللصدقة في كل يوم مائة دينار، وكان مشتملاً على خصال حميدة منها: أن فقيراً كان بجواره وله امرأة وبنت، وكان يغزلان الصوف لتجهيز البنت، وإن البنت لم تفارق البيت وما نظرت إلى السوق قط ولا خرجت، فسألت أمها وأباها أن تخرج معهما إلى السوق، فواعدها بذلك. فلما قصدا بيع الغزل خرجت معهما إلى السوق فمروا بباب الأمير المسمى بالفيل، وتمادى الأب والأم، وتركاها ولم يشعرا بوقوفها فبقيت البنت حائرةً لا تدري أين تذهب، وكانت ذات جمال عظيم، فخرج الأمير المسمى بالفيل، فلما رآها افتتن بها، فأمسكها ودخل بها ثم أمر الجواري أن يغسلنها، وينظفنها ويلبسنها أحسن الملبوس، ويطيبنها بأنواع الطيب، ويحلينها له، ففعل ذلك فدخل عليها وأزال بكارتها. هذا وأبواها قد حزنا عليها ولم يزالا يطوفان عليها جميع الأماكن، فلم يقعا لها على خبر، فلم يزالا يبكيان. فلما جن الليل، وإذا بشخص يطرق الباب، فخرج أبوها وفتح الباب فقال الرجل لأبيها أن الأمير المسمى بالفيل أخذ ابنتك وأزال بكارتها، فلما سمع ذلك كاد يجن.

وكان لأحمد بن طولون مؤذن وكان قد عاهده على أنه إذا حدثت فاحشة من الفواحش يؤذن في غير الوقت ليحضره ويستفهم منه الواقعة، وكان المؤذن بينه وبين أبي البنت صداقة. فجاء إليه وأخبره بخبره، فصعد وأذن فسمعه أحمد بن طولون، فأرسل خلفه، فأخبره بالقضية فاستدعى بأبوي البنت وخبأهما في خزانة وكان وقت مجيء الفيل للخدمة، فلما دخل على عادته، قال له: نهنيك بالعروس الجديدة.

فقال: ومن أين لي عروس جديدة؟ قال: أتنكر وهذا أبو الجارية وأمها؟ فلما رآهما نكس رأسه خجلاً من الأمراء الحاضرين، فقال له أحمد ابن طولون: ارفع رأسك ثم قال لأبيها: تزوج ابنتك مملوكي هذا على صداق قدره ألف دينار مقدمةٌ وخمسمائة دينار مؤجلة.

فقال: نعم. فأمر بإحضار الشهود وعقد العقد بينهما ووضعوا خطوطهم ثم بعد انصراف الشهود أمر السياف بضرب عنق الفيل، فرماه بين يديه، وقطع رأسه. وقال أحمد بن طولون لأبي الجارية: ابنتك ورثت زوجها وقد مكنتها مما بقي من تركته، فامضوا مع السلامة.

<<  <   >  >>