وأتى شاعر المأمون فقال: لقد قلت فيك شعراً، فقال: أنشدنيه. فقال:
حياك رب الناس حياكا ... إذ بجمال الوجه رقاكا
بغداد من نورك قد أشرقت ... وورق العود بجدواكا
قال: فأطرق المأمون ساعة، وقال: يا أعرابي، وأنا قد قلت فيك شعراً، وأنشد يقول:
حياك ربُّ الناس حياكا ... إن الذي أملت أخطاكا
أتيت شخصاً قد خلا كيسه ... ولو حوى شيئاً لأعطاكا
فقال: يا أمير المؤمنين، الشعر بالشعر حرام، فاجعل بينهما شيئاً يستطاب.
فضحك المأمون وأمر له بمال، انتهى.
[إبراهيم بن المهدي وصاحبة المعصم]
وروى ابن عامر الفهري عن أشياخه قال: أمر المأمون أن يحمل إليه من أهل البصرة عشرة رجال كانوا قد رموا عنده بالندقة، فحملوا إليه، فمر بهم طفيلي، فرآهم مجتمعين، فظن خيراً ومضى معهم إلى الساحل وقال: ما اجتمع هؤلاء إلا لوليمة، فانسل ودخل الزورق وقال: لا شك إنها نزهة، فلم يكن إلا يسير، وقد قيد القوم، وقيد معهم. فعلم أنه وقع فيما لا طاقة له به، ورام الخلاص، فلم يقدر، وساروا إلى أن وصلوا بغداد وأدخلوا على المأمون، فاستدعى بهم بأسمائهم واحداً بعد واحد، وجعل يذكره بفعله وبقوله ويضرب عنقه، حتى لم يبق إلا الطفيلي، وفرغت العشرة فقال المأمون للموكل: من هذا؟ فقال: لا أعلم يا أمير المؤمنين، غير أننا رأيناه معهم، فجئنا به.
فقال: يا أمير المؤمنين. امرأته طالقة إن كان يعرف من أحوالهم شيئاً، ولا يعرف غير لا غله إلا الله ومحمد رسول الله، وإنما رأيتهم مجتمعين، فظننت أنها وليمة يدعون إليها، فلحقت بهم.
فضحك المأمون وقال: أوقد بلغ من شؤم التطفل أن يحل بصاحبه هذا المحل؟ لقد سلم هذا الجاهل من القتل، ولكن يؤدب، حتى لا يعود إلى مثلها.