وكان إبراهيم بن المهدي حاضراً، فقال: يا أمير المؤمنين، هبه لي، وأنا أحدثك عن نفسي، فيما وقع لي في التطفل من العجب.
فقال: وهبته لك، هات حديثك.
فقال: يا أمير المؤمنين خرجت متنكراً يوماً أنظر إلى سكك بغداد، فاستهوى بي الطرب والتفرج فانتهى بي المسير إلى موضع شممت فيه رائحة طعام وأبازير قد فاحت، وهفت نفسي إليها ووقفت، يا أمير المؤمنين، لا أقدر على المشي، فرفعت بصري، وإذا بشباك خلفه كف بمعصم ما رأيت أحسن منه، فبقيت حائراً، ونسيت رائحة الطعام، بذاك الكف، فأخذت في عمل الحيلة إلى الوصول إليها، فإذا بجانب المكان خياط، فسلمت عليه فرد علي السلام، فقلت: يا سيدي! لمن هذه الدار؟ فقال: لرجل من البزازين.
فقلت: ما اسمه؟ فقال: فلان.
قلت: هو ممن يشرب الخمر؟ قال: نعم، وأظن أن عنده اليوم أصحابه، تجار مثله.
فبينما نحن في الكلام إذ أقبل رجلان فقال لي: هذان ندماؤه.
فقلت له: ما اسمهما وما كنيتهما؟ فقال لي: فلان الفلاني وفلان الفلاني.
فحركت وراءهما رجلي، فلحقتهما فقلت: جعلت فداءكما، استبطأكما فلان أعزه الله، ولم أزل معهما، حتى أتيت البيت، فدخلت ودخلا، فلما رآني صاحب البيت بينهما لم يشك في أني معهما فرحب بي وأجلسني في أفضل الأماكن ثم جيء بالمائدة ونقلت إليها الألوان، فقلت في نفسي: هذه ألوان قد من الله علي ببلوغ الغرض منها، بقي الكف والمعصم، ثم جيء بالماء فغسلنا أيدينا ثم نقلنا إلى مجلس المنادمة، فإذا شكل مليح ما رأيت أحسن منه ولا أظرف، ورأيت صاحب المكان يتلطف بي ويقبل علي لظنه أني ضيف لأضيافه، وهم على الحالة هذه إلى أن شربنا فخرجت علينا جارية كأنها غصن بان في غاية الظرف وحسن الهيئة، فسلمت من غير خجل ولا احتشام، وجلست وأتي بعود فجسته أحسن جس، وإذا هي حاذقة في الصناعة وغنت تقول:
توهمها فكري، فأصبح خدها ... وفيه مكان الوهم من نظري أثر
وصافحها كفي، فآلم كفها ... فمن ضم كفي في أناملها عقر
فهيجت يا أمير المؤمنين بلبالي، فطربت لحسن شعرها وحذقها ثم غنت تقول: