أشرت إليها: هل عرفت مودتي ... فردت بطرف العين أني على العهد
فجادت عن الإظهار عمداً بسرها ... وحادت عن الإظهار أيضاً على عمد
فحسدتها يا أمير المؤمنين على حذاقتها وإصابتها معني الشعر، فضحكت لما أصابني من الطرب الذي لم أملك نفسي معه ثم غنت تقول:
أليس عجيباً أن بيتاً يضمنا ... وإياك لا نلهو ولا نتكلم
سوى أعين تبدي سرائر أنفسٍ ... وتقطيع أنفاس على النار تضرم
إشارة أفواه وغمز حواجب ... وتكسير أجفان وكف تسلم
فزاد حسدي لها يا أمير المؤمنين على حذاقتها وإصابتها معنى الشعر لأنها لم تخرج عن المعنى وقلت: بقي عليك يا جارية شيءٌ، فرمت العود من يدها، وقالت: متى كنتم تحضرون الغناء مثل هذا؟ فندمت على ما كان مني ورأيت القوم كأنهم قد أنكروا علي، فقلت في نفسي: فاتني جميع ما أملت،، وأحببت أن أتلافى قضيتي فقلت: أثم عودٌ غير هذا؟ قالوا: نعم فأحضروا عوداً، فأصلحت ما أردت إصلاحه ثم قلت:
ما للمنازل لا تجيب حزيناً ... أصممن أم قد بالبلاء بلينا
فما أتممت شعري حتى وثبت الجارية إلي، وانكبت على يدي تقبلها وتقول: المعذرة إليك يا سيدي، والله ما علمت مكانك، ولا سمعت بهذه الصناعة من أحد، ثم زادوا إكرامي وطربوا غاية الطرب، فشربت عدة أقداح، ثم غنيتهم أبياتاً فرأيت من طربهم شيئاً عظيماً حتى قلت إن أرواحهم، فارقت أبدانهم فسكت عنهم ساعة، حتى تراجعوا إلى عقولهم فعنيتهم وقلت:
هذا محبك مطوياً على كمده ... وجداً، وأدمعه تجري على جسده
له يد تسأل الرحمن راحته ... مما به واليد الأخرى على كبده
يا من رأى كلفاً في حبه دنفاً ... كانت منيته في عينه ويده
قال: فجعلت الجارية تصيح وتقول: هذا والله الغناء والذي كنا فيه ليس بشيء، وشرب القوم فلما جاءهم البسط، وأخذ المجلس منتهاه أمر صاحب البيت عبدين له أن يحفظا النديمين إلى منزلهما، وخلوت معه. فقال: والله يا سيدي ذهب ما مضى من عمري باطلاً حيث لم أعرفك قبل يومي هذا فبالله يا مولاي من أنت.؟