للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فجعلت أرد عليه، وهو يقول ويقسم علي حتى أعلمته من أنا على الحقيقة، فلما سمع ذلك قام تعلى قدميه وقال: ما عجبت أن تكون هذه المكارم إلا لمثلك، وقد أصابني من الدهر نعم لا أقوم بشكرها، ثم قال: أترى هذا يقظة أم مناماً، أقسمت أني لا أزال هذه الليلة قائماً إلى أن تأذن لي، فإني أحقر من أن أجالس الملوك.

فأقسمت عليه بأن يجلس ثم أخذ في الكلام وجعل يعرض علي السبب الذي أوجب حضوري عنده بألطف تعريض فأخبرته بأمري على الحقيقة ولم أخف شيئاً، ثم قلت له: الطعام قد نلت منه بغيتي، وبقي الأمر الآخر، فوثب إلى باب القاعة، وقال: كل منكن تلبس أفخر ثيابها وتخرج علينا من المخدع، ثم استدعى بهن وجعل يقول: يا فلانة، وهن يخرجن واحدة بعد واحدة، وأنا لا أرى صاحبة الكف والمعصم إلى أن أتت أربعون امرأة.

فقال: والله ما بقي إلا أختي، وها أنا مخرجها إليك.

فقلت: افعل.

فقال: حباً وكرامة، ثم استدعاها فنزلت فرأيت يدها ومعصمها، فإذا هي التي رايتها، قلت: هذه الحاجة، فأمر غلمانه لوقته أن يأتوا بعشرة شهود، ثم قام وأخرج عشرين ألف درهم وألفاً أخرى، فلما حضروا قال لهم: هذا سيدي إبراهيم بن المهدي يخطب أختي فلانة، وأشهدكم أني قد زوجتها له وأمهرتها عنه عشرين ألف درهم.

فقلت: قبلت الزواج.

ثم دفع الألف التي كان خرجها لهم، فشكروا له ودعوا وانصرفوا. ثم قال: يا سيدي أمهد لك بعض البيوت، تنام مع أهلك.

فأعجبني ما كان من كرمه واستحييت أن أدخل بها في داره. فقلت له: بل اجعلها في عمارية واحملها إلى منزلي، فوحقك يا أمير المؤمنين لقد حمل معها من الفرش والأثاث ما ضاقت به بيوتنا، فأولدتها هذا الغلام القائم بين يديك، يا أمير المؤمنين.

فتعجب المأمون من كرم الرجل وقال: لله دره ما أكرمه، والله ما سمعت بمثله قط، ثم أطلق الطفيلي وأمر بإحضار الرجل واستنطقه، فأعجبه حسن منطقه وعقله وأدبه فصيره من جملة خواصه ومنادميه، والله أعلم.

؟

<<  <   >  >>