قالت: من أي كنانة؟ قال: من أكرمها مولداً وأشرفها محتداً وأطولها في المكرمات يداً، ممن تهابه كنانة وتخشاه.
قالت: والله أنت من بني هاشم؟ قال: أنا من بني هاشم.
قالت: من أي هاشم؟ قال: من أعلاها منزلةً وأشرفها قبيلةً ممن تهابه هاشم وتخشاه.
قال: فعند ذلك قبلت الأرض وقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين وخليفة رسول رب العالمين.
قال: فتعجب المأمون منها وطرب طرباً شديداً، ثم قال: لأتزوجن بها لأنها من أكبر الغنائم، ووقف حتى التحق به العسكر، فنزل وأرسل خلف أبيها وخطبها منه، فزوجه بها، وهي والدة العباس، والله أعلم.
[أخلاق المأمون]
من محاسن الأخلاق، ما حكي عن القاضي يحيى بن أكثم قال: كنت نائماً ذات ليلة عند المأمون، فعطش، فامتنع أن يصيح لغلام يسقيه، وأنا نائم فينغص علي نومي، فرأيته وقد قام يتمشى على أطراف أَصابعه حتى أتى موضع الماء، وكان بينه وبين الماء نحو ثلاثمائة خطوة، ثم رجع يتمشى على أطراف أصابعه حتى وصل إلى الفراش الذي أنا عليه، وخطا خطوات لطيفة لئلا ينبهني حتى وصل إلى فراشه، ثم رأيته آخر الليل، وقد قام يبول، فقعد طويلاً يحاول أن أتحرك فيصيح للغلام، فلما تحركت وثب قائماً وصاح بالغلام وتأهب للصلاة ثم جاءني وقال: كيف أصبحت يا أبا محمد، وكيف مبيتك؟ قلت: بخير مبيت جعلني الله فداك.
قال: لقد استيقظت للصلاة، فكرهت أن أصيح للغلام فأزعجك.
فقلت: يا أمير المؤمنين، لقد خصك الله بأخلاق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ووهب لك سيرتهم، فهناك الله بهذه النعمة، وأتمها عليك.