كان من الكرماء، يقال فيه: حدث عن البحر ولا حرج، وكان عاملاً بالبصرة، فحضر على بابه شاعر وأقام مدة يريد الدخول فلم يتهيأ له، فقال يوماً لبعض الخدام: إذا دخل الأمير البستان فعرفني، فلما دخل أعلمه بذلك، فكتب الشاعر بيتاً ونقشه على خشبة وألقاها في الماء الذي يدخل البستان، وكان معن جالساً على القناة، فلما رأى الخشبة أخذها وقرأها فإذا فيها هذا البيت:
أيا جود معن ناج معناً بحاجتي ... فليس إلى معن سواك رسول
فقال: من الرجل صاحب هذه؟ فأتي به إليه. فقال: كيف قلت؟ فأنشده البيت فأمر له بعشر بدر، فأخذها وانصرف، فوضع معن الخشبة تحت بساط. فلما كان في اليوم الثاني أخرجها من تحت بساط ينظر فيها، ودعا بالرجل فأمر له بمائة ألف درهم، فلما كان في اليوم الثالث فعل مثل ذلك، فتفكر الرجل وخاف أن يأخذ منه ما أعطاه فخرج من البلد بما كان معه. فلما كان في اليوم الرابع طلب الرجل فلم يوجد، فقال معن: والله هممت أن أعطيه حتى لا يبقى في بيت مالي درهم ولا دينار إلا أعطيته له، وفيه يقول القائل:
يقولون معن لا زكاة لماله ... وكيف يزكي المال من هو باذله
إذا حال جولٌ لم يكن في دياره ... من المال إلا ذكره وجمائله
تراه، إذا ما جئته، متهللاً ... كأنك تعطيه الذي أنت آمله
هو البحر من أي النواحي أتيته ... فلجته المعروف والبر ساحله
تعود بسط الكف حتى لو نه ... أراد انقباضاً لم تطعه أنامله
فلو لم يكن في كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتق الله سائله
ومن قول معن:
دعيني أنهب الأموال حتى ... أعف الأكرمين عن اللئام
ويروى أن معن بن زائدة خرج في جماعة يتصيدون، فاعترضهم قطيع ظباء، فتفرقوا في طلبه، وانفرد معن خلف ظبي، فلما ظفر به نزل فذبحه، فرأى شخصاً مقبلاً من البرية على حمار، فركب فرسه واستقبله، فسلم عليه وقال له: من أين أتيت؟