قال أبو القاسم بعد الملك بن بدرون في شرحه لقصيدة عبد المجيد بن عبدون: جعفر البرمكي، هو جعفر بن يحيى بن خالد بن برمك، والبرمك هو الذي يعمر بيت النور، وهو بيت النار، وكان برمك من مجوس بلخ وكان عظيم القدر فيهم، وولده خالد، فلما كبر صار وزيراً لأبي السفاح بعد أبي سلمة الحلال، وقتل هارون الرشيد جعفراً سنة سبع وثمانين ومائة، وكان قد بلغ من الرشيد ما لا يبلغه وزير من خليفة قبله، حتى كان يجلس معه في حلة واحدة قد اتخذ لها جيبان على ما ذكره بعض المخبرين حتى بلغ عنده أن يحكم عليه فيما شاء من أمر ماله وولده.
[منزلة جعفر عند الرشيد]
فمن ذلك ما حكاه ابن المهدي عم الرشيد، وهو إبراهيم المعروف بابن شكلة، وكانت شكلة أمة سوداء، وقد ذكر أن إبراهيم كان أسود شديد السواد، وكان من الطبقة العليا في صنعة العود قال: قال لي جعفر يوماً: يا إبراهيم: إذا كان غد فأبكر إلي.
فلمام كان الغد مشيت إليه بكرة، فجلسنا نتحدث. فلما ارتفع النهار أحضر حجاماً فحجمنا، ثم قدم لنا الطعام فطعمنا ثم خلع علينا ثياب المنادمة، وقال جعفر لخادمه: لا يدخل علينا أحد إلا عبد الملك القهرماني.
فنسي الحاجب ما قال فجاء عبد الملك بن صالح الهاشمي، وكان رجلاً من بني هاشم ذا ملاحة وعلم وحلم وجلالة قدر وفخامة ذكر وصيانة وديانة، فظن الحاجب أنه الذي أمره بإدخاله عليهما، فلما رآه جعفر تغير لونه ورآهم عبد الملك بن صالح على تلك الحالة، وظهر له أنهم احتشموه فأراد أن يرفع خجله وخجلهم بمشاركته لهم في فعلهم فقال: اصنعوا بنا ما صنعتم بأنفسكم.
فجاءه الخادم فطرح عليه ثياب المنادمة ثم جلس للشراب، فلما بلغ ثلاثاً قال للساقي: لتخفف عني فإني ما شربته قط.
فتهلل وجه جعفر فقال له: هل من حاجة تبلغها مقدرتي وتحيط بها نعمتي فأقضيها لك مكافأة لما صنعت.؟ قال: بلى، إن أمير المؤمنين علي غاضب، فسله الرضا عني.