فقام الأمير عمرو وأخذنا ومضى بنا إلى مجلس مليح وقدم لنا الطعام المفتخر وأمر بإزالة كل شيء كان عليه من آلة الحزن وجيء له بالماء فغسل يديه وغسلنا أيدينا، وانتقلنا إلى مجلس الشراب، وبتنا في لذة ورأيت الماوية تدب في وجه الأمير عمرو. فلما أَصبحت قالت: يا شيخ أبا الحسن، امض وائتنا بالقاضي والشهود.
فلم يكن بأسرع مما أ؛ ضرتهم. فقالت الست بدور للقاضي: اكتب كتابي على الأمير عمرو، وقد وليت الشيخ أبا الحسن عقد النكاح.
فخطب القاضي خطبة النكاح وعقد العقد بينهما، فرسم الأمير عمرو للقاضي بألف دينار وللشهود بمائتي دينار، وعمل الوليمة وطبخ الطعام وعمل الحلاوات وجمع الناس ووضع بين أيديهم الموائد وأطعم الشارد والوارد، وزفت الست بدور تلك الليلة إلى الأمير عمرو، فلما وقفوا على المنصة قلت: ما تصلح إلا له ولا يصلح إلا لها، ولو رآها غيره لزلزلت الأرض زلزالها، ثم تقدمت إلى الأمير عمرو وقلت له: يا مولاي، المثل يقول: العصفور يتفلى والصياد يتقلى، وأنتم تقولون: وا طرباه وأنا أقول وا حزناه.
فقالت الست بدور: ما معنى كلامك هذا؟ قلت: يا سيدتي الأمير عمرو وعدني بوعد والوعد على الكرماء دين.
فقالت الست بدور: صدق الشيخ أعطه الذي وعدته به. فقال الأمير عمرو لبعض غلمانه: أعط الشيخ أبا الحسن ألفاً وخمسمائة دينار، يستحق أكثر من ذلك.
فمضى الغلام وعاد بسرعة ومعه كيس وناولني إياه وأعطتني الست بدور مثله. ثم إني ودعتهم وخرجت إلى أن أتيت إلى الأمير محمد بن سليمان الزينبي، وقعدت عنده على عادتي، وأخذت رسمي الذي عليه في كل سنة وعدت إلى بغداد فما رأيت سنة أبرك علي منها، حصل لي فيها أربعة آلاف دينار.
وهذا جملة الحديث فتعجب الخليفة وقال: ما قصرت يا شيخ أبا الحسن خذ من جعفر ألف دينار لأنك أنت الذي أزلت عني ما بقلبي.
فقال جعفر: ومن عند أمير المؤمنين ألف دينار لأنه هو الذي زال عنه ما كان يجده.
فقال أبو الحسن: صدق الوزير أبقاه الله تعالى، ثم إنه قبض الألفين ديناراً ومضى إلى منزله والله أعلم.