للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المأمون وجارية أبيه]

وقيل: كان المأمون يوماً يأكل مع أبيه الرشيد، فلما فرغا جعلت جارية تصب الماء على يد الرشيد، فنظر إليها المأمون، وأشار إليها كأنه يقبلها، فأنكرت ذلك منه بعينها، وأبطأت في الصب بقدر النظر إلى المأمون، فقال لها الرشيد: لأي شيء صغى الإبريق في يدك، فوالله لئن لم تصدقيني الحق لأضربن عنقك؟ فقالت: يا سيدي نظر إلي عبد الله المأمون، وأشار إلي كأنه يقبلني، فأنكرت ذلك بعيني.

فنظر الرشيد إلى المأمون فسقط مغشياً عليه كأنه ميت مما داخله من الخوف والفزع، فأخذه وضمه إلى صدره، وقال: يا عبد الله؛ أتحبها؟

قال: إي والله يا أمير المؤمنين.

فقال: هي لك، خذ بيدها وادخل بها في هذا القبة. ففعل، فلما خرج إلى الرشيد قال له: هل قلت في هذا شيئاً؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، ثم أنشد يقول:

ظبي كنيت بطرفيعن الضمير إليهقبلته من بعيدٍ

فاعتل من شفتيهورد أخبث ردٍّبالكسر من حاجبيه

فما برحتمكاني حتىقدرت عليه

[المأمون والفتاة العربية]

عن أبي عبد الله النميري أنه قال: كنت يوماً مع المأمون، وكان بالكوفة، فركبت للصيد ومعه سرية من العسكر، فبينما هو سائر إذ لاحت له طريدة فأطلق عنان فرسه وكان على سابق من الخيل، فأشرف على نهر من ماء بحر الفرات، فإذا هو بجارية عربية خماسية القد، قائمة النهد، كأنها القمر ليلة تمامه، وبيدها قربة قد ملأتها من النهر، ورفعتها على كتفها، وصعدت من حافة النهر، فانحل وكاؤها، فصاحت برفيع صوتها: يا أبت! أدرك فاها، قد غلبني فوها، لا طاقة لي بفيها.

قال: فعجب المأمون من فصاحتها ورمت القربة من يدها، فقال لها المأمون: يا جارية من أي العرب أنت؟ فقالت: أنا من بني كلاب.

قال: وما حملك أن تكوني من الكلاب؟ قالت: والله لست من الكلاب وإنما أنا من قوم كرام غير لئام، يقرون الضيف، ويضربون بالسيف، ثم قالت: يا فتى من أي الناس أنت؟ قال: أوعندك علم بالأنساب؟ قالت: نعم.

قال: أنا من مضر الحمراء.

قالت: من أي مضر؟ قال: من أكرمها نسباً وأعظمها حسباً وخيرها أماً وأباً، مما تهابه مضر وتخشاه.

<<  <   >  >>